رغم ما أحاط به نفسه من حذر، قاد "حبل غسيل" إلى مكان زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ليكون ذلك خيط المخابرات الأمريكية لقتله.
هذا ما كشفه كتاب "صعود وسقوط أسامة بن لادن"، المتوقع طرحه، هذه الأيام، فكيف تسبب "حبل غسيل" في مقتل الزعيم السابق لتنظيم القاعدة الإرهابي؟.
وفقا لصحيفة "نيويورك بوست"، نقلا عن الكتاب المذكور، لجأ بن لادن في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، إلى التواري عن الأنظار في الجبال الأفغانية وشمال باكستان هربًا من ملاحقة الأمريكيّين.
ولكن بحلول عام 2004، عندما بدأت الولايات المتحدة جهود إعمار أفغانستان والعراق، شعر بن لادن أنه لم يعد مطاردا بقوة، وطلب من حارسه الشخصي، إبراهيم عبد الحميد، بتشييد منزل كبير يكفي لأسرته، في مدينة آبوت آباد الباكستانية.
وبحسب الكتاب؛ شرع إبراهيم في العمل، وقام ببناء منزل بلغت تكلفته 50 ألف دولار، لكنه يحمل المواصفات التي طلبها زعيم تنظيم القاعدة الراحل، لينتقل مع أسرته في عام 2005، إلى آبوت آباد.
المنزل الرئيسي المكون من ثلاثة طوابق كان يحتوي على أربع غرف نوم في الطابق الأول ومثلها في الطابق الثاني، ولكل منها حمام خاص بها، أما الطابق العلوي فيتوفر على غرفة نوم واحدة، وحمام وشرفة خاصة يقطنها بن لادن.
وأقام إبراهيم وشقيقه وأسرتاهما في المنزل مع بن لادن، إلا أن الجميع سكنوا في ملحق تابع للمبنى الرئيسي.
حذر لـ6 سنوات
اتبع الأخوَان إجراءات أمنية صارمة للحفاظ على سرية المكان، كانوا يستخدمون أكشاك الهاتف العامة في المدن الكبيرة لإجراء مكالمات مهمة، ونزع البطاريات من هواتفهم المحمولة حتى لا يمكن تعقبهم إلى قاعدتهم الرئيسية.
ونادرًا ما كان يغادر أفراد أسرة بن لادن المجمع، باستثناء أمل التي ذهبت مرتين إلى مستشفى محلي لتلد تحت اسم مستعار، وتظهر أوراق هوية مزورة وتتظاهر بالصمم لتجنب الأسئلة المحرجة.
لكن في عام 2010، حصلت وكالة المخابرات المركزية على معلومة أثارت اهتمامها، وهي رؤية رجل في مدينة بيشاور المزدحمة يعتقد أنه إبراهيم، الحارس الشخصي لبن لادن، منذ فترة طويلة.
في أغسطس 2010، تمكنت الأجهزة الأمنية من تتبع إبراهيم بسيارته البيضاء، حتى وصوله إلى "الحصن"، ذو الأسلاك الشائكة التي يبلغ ارتفاعها 18 قدمًا، لتبدأ عملية المراقبة وجمع الأدلة.
كان المكان يؤوي زوجات بن لادن الثلاث، وثمانية من أطفاله الصغار، وأربعة أحفاد، بما في ذلك أطفال تتراوح أعمارهم بين عامين و 3 أعوام.
خصوصية تثير الريبة
أثار عدم وجود أي خط هاتفي مرتبط بالمنزل، ولا حتى اشتراكا بالإنترنت -رغم أنه كان يبدو كمنزل يعود لشخص ثري يمكنه الحصول على وسائل الراحة هذه- انتباه عملاء وكالة الاستخبارات المركزية.
كما لفت انتباه عملاء المخابرات احتواء المنزل على عدد قليل من النوافذ، كما كانت الشرفة العلوية محاطة بجدران مرتفعة من جميع الجوانب، والتي تبين لاحقا أنها الشرفة الشخصية لبن لادن.
هنا سأل مدير وكالة المخابرات المركزية آنذاك، ليون بانيتا، موظفيه: "من يضع جدار الخصوصية حول فناء؟".
أقامت الوكالة منزلاً آمنًا بالقرب من المجمع الغامض لدراسة "نمط حياة" من يعيش في المنزل؛ ومن بين الأمور التي أثارت اهتمام رجال الاستخبارات أنه في الوقت الذي كان الجيران يضعون نفاياتهم في جمع القمامة بانتظام، كان سكان المجمع يقومون بحرق جميع النفايات.
احتوى المجمع الذي تجاوزت مساحته 4000 متر مربع على مزرعة صغيرة لإنتاج التفاح والخضروات والعنب والعسل وتأوي الدجاج وحتى الأبقار، وهي منتجات كان يستهلكها سكان غير مرئيّين على ما يبدو.
الدليل "القاتل"
لكن الدليل الأخير الذي عزز شكوك عناصر المخابرات يكمن في "حبال الغسيل"، والتي كانت تحمل ملابس ترفرف في الهواء، وكانت كما لاحظ الكتاب "أكثر بشكل كبير مما قد يرتديه 11 فردا من أسر الحرس الشخصي".
ووفقا لتقديرات أجراها عملاء وكالة الاستخبارات بناء على محتويات حبال الغسيل، فقد كان هناك رجل بالغ، والعديد من النساء البالغات، وتسعة أطفال على الأقل، ما يتماشى مع نمط حياة بن لادن، وهو التحليل الذي كان مقنعا للإدارة الأمريكية، لدى وضعه مع الظروف الأخرى التي كشفت عنها مراقبة المنزل.
وفي مايو/ أيار 2011، أمر الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، بإطلاق العملية التي ستكلف بن لادن حياته، ويقتل عن سن يناهز 54 عاما.
وتعلق صحيفة "نيويورك بوست" في ختام تقريرها ساخرة بالقول إن "مصير بن لادن كان من الممكن أن يكون مختلفا لو فكر بشراء مجفف للملابس لزوجاته".