العربيةبعد عقود من ظهور فيروس نقص المناعة المكتسبة المعروف بالإيدز، لا يزال الباحثون يسعون للتوصل إلى صيغة ناجحة للقاح مضاد له. في المقابل، بات لدينا ثمانية لقاحات مضادة لفيروس كورونا في 18 شهرًا فقط.

لذا برز السؤال الآتي: هل يمكننا تسريع وتيرة صنع لقاح خاص بمرض الإيدز؟

إيجاد لقاح آمن وفعال لحماية الناس من فيروس نقص المناعة المكتسبة، غاية استعصت على العلماء حتى الآن ولمدة 40 عامًا، ولم يتجاوز لقاح واحد من لقاحات الإيدز المرحلة الثالثة من الاختبارات السريرية خلال 37 عامًا من البحث. بالمقارنة مع لقاحات كورونا يبدو هذا الجدول الزمني محيرًا!

على مدار الثمانية عشر شهرًا الماضية، وصل أكثر من 32 لقاحًا مضادا لكورونا إلى المرحلة الثالثة من التجارب السريرية، وتمت الموافقة على ثمانية منها وتصنيعها حتى الآن، وهناك 90 لقاحًا آخر في المرحلتين الأولى والثانية.

قال هندريك ستريك، عالم الفيروسات ومدير المركز الألماني لفيروس الإيدز لـ DW: "عندما تكون هناك إرادة سياسية، يكون هناك تمويل وموارد". وأضاف: "وهذا يعني أن هناك القدرة على أن تكون أسرع بكثير".

فيروسان "مختلفان تمامًا"

على الرغم من أن الباحثين عن لقاح مضاد لفيروس نقص المناعة المكتسبة لم ينجحوا حتى الآن في مسعاهم، إلا أن ذلك ليس بسبب قلة المحاولة، فقد تم اختبار أكثر من 400 لقاح مرشح في المرحلة الأولى من التجارب السريرية، حتى إنه تم إجراء خمس تجارب واسعة النطاق للمرحلة الثالثة، كل منها بتكلفة تزيد عن 100 مليون دولار.

قال ستريك إن العالم ربما وجه اهتمامه - وأمواله - نحو إيجاد لقاح لـ كوفيد-19 منذ بدء تفشي المرض في ديسمبر 2019، لكن الاختلاف في هذه الجداول الزمنية لا يتعلق فقط بالسياسة والمال، فله علاقة أيضاً بالتركيبة الفريدة لكلا الفيروسين.

أوضح ستريك لـ DW قائلاً: "لا يمكن مقارنة SARS-CoV-2 (الفيروس المسبب لكورونا) بفيروس الإيدز من حيث البنية والتعقيد". وقال إن الفيروس المثبط للمناعة البشرية "فيروس مختلف تماما".

على عكس SARS-CoV-2، وهو فيروس مستقر نوعاً ما، فإن الفيروس المثبط للمناعة البشرية (HIV) متغير للغاية.. إنه يتحور باستمرار. وهذا يجعل من الصعب جدًا على الجهاز المناعي للأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة صنع الأجسام المضادة المناسبة لدرء الفيروس، حيث عادة ما تكون خطوة أولى قبل أي استجابة في الجسم. وهناك الآلاف من سلالات فيروس نقص المناعة المكتسبة المنتشرة بين سكان العالم. كما أن جينوم فيروس الإيدز يندمج أيضًا في الحمض النووي للجسم، مما يجعله غير مرئي بشكل فعال لجهاز المناعة.

تعني هذه الخصائص أن أجسامنا لا تصنع عادة استجابة مناعية فعالة ضد فيروس نقص المناعة المكتسبة. كما أنها تجعل من الصعب للغاية تصميم لقاح فعال مضاد له على نطاق واسع.

تعمل معظم اللقاحات عن طريق تحفيز "الأجسام المضادة المعادلة"، وهي بروتينات تهاجم الغزاة غير المرغوب فيهم داخل الجسم. لكن عندما يُغير هدف ذلك الهجوم مظهرَه باستمرار، فمن الصعب جدًا التقاطه.

قال جوناثان ويبر، عميد كلية الطب في إمبريال كوليدج لندن والباحث في فيروس نقص المناعة المكتسبة على المدى الطويل: "لقد كان العلم والعالم محظوظين جدًا لأن SARS-CoV-2 هو هدف سهل للقاحات".

وأضاف في تصريحات لـDW، إن جميع الطرق التي جربها مطورو اللقاحات لصنع لقاح لكورونا - بما في ذلك الناقل الفيروسي، و mRNA، والفيروس الغدي - "نجحت جميعها".

وقال أيضاً: "مع فيروس نقص المناعة المكتسبة، العكس هو الصحيح. لقد جربنا كل تلك الأساليب المختلفة ولم ينجح أي منها في الحماية من فيروس الإيدز بطريقة فعالة".

تقدم في الأبحاث

حتى الآن، أظهر لقاح واحد فقط من لقاحات فيروس نقص المناعة المكتسبة، يسمى Uhambo، حماية جزئية في التجارب البشرية، لكنه لم يكن فعالًا في تجربة واسعة النطاق أجريت مؤخرًا في جنوب إفريقيا.

تجرى حاليًا تجربتان أخريان، أطلق عليهما PrEPVacc و Mosaico، وكلاهما يستخدم نهجًا مركبًا للتحصين.

Mosaico مبني على لقاح مضاد للفيروسات الغدية يتبعه معزز يحتوي على "فسيفساء" من البروتينات من سلالات متعددة من فيروس نقص المناعة البشرية. هذا مشابه للقاحات Johnson and Johnson و Oxford-AstraZeneca وSputnik الروسي.

يقول ستريك، الذي يشارك فريق البحث في دعم تجربة Mosaico في أوروبا والأميركيتين، إن الباحثين "متفائلون بحذر" بعد أن أظهر اللقاح نتائج واعدة في التجارب على الحيوانات. ويتوقع الباحثون الحصول على نتائج خلال الشهر المقبل.

أما PrepVacc فيستخدم فيروس HIV-DNA، وهو ناقل فيروسي حي وبروتين.

يقود فريق ويبر تجربة PrepVacc، التي تُجرى حاليًا في جنوب إفريقيا وتنزانيا وأوغندا. وعلى الرغم من أنها بدأت في عام 2018، إلا أن التقدم "تأخر بشكل كبير بسبب فيروس كورونا"، كما قال، وحتى الآن، تم تسجيل حوالي 300 مشارك فقط.

وقال ويبر لـ DW: "نعتقد أنه سيتعين علينا إجراء هذه الدراسة حتى أوائل عام 2024 للحصول على نتائج موثوقة حول ما إذا كان اللقاح فعالاً".

في الوقت نفسه، تعمل شركة مودرنا العملاقة على لقاحين اثنين مضادين للإيدز وفق تقنية mRNA المستخدمة في لقاحات كورونا. الأول، يسمى mRNA-1644، إذ من المتوقع أن تبدأ تجارب المرحلة الأولى في نهاية عام 2021. أما الثاني فيعرف باسم mRNA-1574، ويجري بحثه بالتعاون مع المعاهد الوطنية للصحة (NIH) في الولايات المتحدة.

قال بينج زانج، اختصاصي المناعة من معهد الصحة الوطني في الولايات المتحدة، إن الباحثين الذين يعملون على هذا النوع الثاني من لقاح mRNA شهدوا حتى الآن بعض النتائج الواعدة في التجارب المطبقة على القردة.

وبينما أظهرت لقاحات mRNA حتى الآن أنها ناجحة بشكل كبير ضد SARS-CoV-2، يحذر ويبر من أنه من السابق لأوانه الترحيب بها باعتبارها مستقبل الأبحاث في لقاح فيروس نقص المناعة المكتسبة.

وقال: "وجهة نظري في هذه المرحلة قبل أن أرى أي بيانات، هي أننا ما زلنا نواجه مشكلة مع لقاحات mRNA، تتمثل في أنه ليس لدينا المستضد الأمثل لفيروس نقص المناعة المكتسبة".

على الرغم من العقبات، فإن ويبر مقتنع بأن العلماء سوف يكسرون في النهاية الصيغة لإيجاد لقاح آمن وفعال لفيروس نقص المناعة المكتسبة.

وقال: "لقد قضيت طوال حياتي المهنية معتقدًا أننا سنحصل على لقاح ضد فيروس نقص المناعة المكتسبة. لن أتخلى عن هذا الاعتقاد.. آمل فقط أن أعيش لأرى ذلك".

في السنوات الأربعين الماضية، مات أكثر من 35 مليون شخص بسبب فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز). ووفقًا لستريك، إنها جائحة "ما زالت بعيدة عن السيطرة".

وقال: "معظم المصابين يموتون من هذا المرض.. هناك زخم في العالم الآن. نحن بحاجة إلى استخدام هذا الزخم لإنهاء فيروس نقص المناعة المكتسبة".