منذ أسبوعين يسكن الصحافي الأحوازي الإيراني "وليد" في منزل أحد أقاربه في العاصمة الإيرانية طهران، بعدما اعتقل من بلدته "كوت سيد نعيم"، ونُقل لمدينة الأحواز، وتعرض لتهديد مباشر من قسم التحقيق في فرع "جهاز الاطلاعات" الإيراني في المدينة، بتهم تتعلق بكتابة تقارير إخبارية لوسائل إعلام غربية.

في حديثه مع سكاي نيوز عربية، يشرح الصحفي الأحوازي الذي رفض الكشف عن اسم عائلته خشية ما يتعرض له مستقبلاً، ما جرى معه في قسم التحقيق "لم يتمكنوا من إثبات أي شيء يُثبت كتابتي وإرسالي لتقارير عن التظاهرات العارمة في عموم مناطق الأحواز إلى الصحافة الأجنبية، فأنا وغيري من الصحافيين نتخذ مختلف أنواع التدابير لمنع كشف ذلك. لكن المحقق بالمقابل، وبالرغم من كُل الضغوط النفسية والجسدية التي مارسها ضدي لعدة أيام، لم يتأكد من عدم كتابتي لتلك التقارير الإعلامي، لذلك أخبرني بكل صراحة أن مغادرتي لمنطقة الأحواز وعدم العودة طوال سنتين قادمتين على الأقل، هو الشرط الوحيد للإفراج عني. وهذا ما حدث".

يُعتبر وليد واحداً من مئات الصحافيين الإيرانيين من أبناء الأقليات القومية الرئيسية الأربعة في البلاد، العرب والأذر والأكراد والبلوش، من الذين يتعرضون لضغوط سياسية وأمنية واقتصادية، هُم وعائلاتهم، حتى يتوقفوا عن نقل المعاناة المضاعفة لمناطقهم وذويهم مع النظام الحاكم، كونهم مواطنين إيرانيين وأبناء جماعات أقلية مستبعدة من الحياة السياسية وتعاني مناطقهم من التهميش وسوء التنمية، وتتصرف فيها السلطات بأدوات أمنية مُطلقة.

نازلي جمداري صحافية كُردية إيرانية، اشتهرت في أواخر العام 2019، حينما صارت تنقل بشكل مباشر تظاهرات مدينة سنندج الكُردية الإيرانية، عندما خرجت المدينة تضامناً مع باقي مناطق إيران أثناء ثورة الوقود التي اندلعت وقتئذ، حيث كانت تظهر جمداري في بثٍ مباشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وتنشر مقابلات مع المشاركين الأكراد في تلك التظاهرات.

تشرح جمداري في حديث مع سكاي نيوز عربية عما جرى معها "لشهر كامل كانت الدوريات الأمنية تداهم منزلنا ومنازل بعض الأقارب العائليين، بحثاً عني، حيث كًنت وقتئذ متوارية عن الأنظار في إحدى القرى الجبلية القريبة من مدينة مريوان في أقصى غرب البلاد. في المحصلة اعتقلوا والدي الذي كان يتجاوز الستين عاماً، فيما غادرت إيران بمساعدة أحد الأحزاب الكُردية الإيرانية، عبر الطرق الجبلية إلى إقليم كردستان العراق".

تتابع جمداري حديثها "بقي والدي معتقلاً لمُدة عام كامل دون محاكمة، وفُصل أخي من وظيفته الحكومية في مديرية الصحة في مدينة سنندج، وجميع أهلي يخشون من التواصل العلني معي، ولا يكشفون مكان إقامتي حتى لأقرب الناس".

لا توجد أرقام حقيقية لأعداد الصحافيين والإعلاميين الإيرانيين من أبناء الأقليات القومية، فالقانون والأجهزة الأمنية في إيران تمنعهم من تأسيس نقابات أو اتحادات تؤطر عملهم وتدافع عنهم، وفي حال انضمامهم للاتحاد الإعلامية الرسمية، فأنهم يُجبرون على الالتزام بالخطوط العامة للإعلام الرسمي، وعلى رأسها كتم شؤون الأقليات في البلاد.

لكن وسائل الإعلام والمؤسسات العالمية المختصة، مثل مراسلين بلاد حدود والاتحاد الدولي للصحافيين، تنشر تقارير متتالية حول تدهور أحوال صحفيي الأقليات في إيران، خصوصاً مع تنامي دور "الصحفي الفرد" في ظلال تنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي والعمل عبرها.

الباحث الإيراني عبد الله جمالي، المقيم في العاصمة البريطانية لندن، شرح في حديث مع سكاي نيوز عربية هواجس السلطات الإيرانية من هذه الطبقة من الصحفيين الإيرانيين بالقول: "تشعر السلطة أن هؤلاء الصحفيين ينقلون ما تسعى هذه السلطات لإخفائه بكل السُبل، كل ما يتعلق بالحياة العامة لأبناء الأقليات وأحوال مناطقهم. كذلك فإن السلطة تعتقد أن هؤلاء الصحفيين محميون من بيئاتهم المحلية والأهلية، لذا تخشى من تأثيرهم وأدوارهم في الحياة العامة، لأنهم يخلقون نوعاً من الشعور المشترك بين السكان. لذلك توقع عليهم أقسى أنواع العقوبات، مثل النفي الداخلي أو السجن لسنوات طويلة أو حتى الإعدام والقتل تحت التعذيب".