بين من يتطلع لما وراء الحدود أملا بالهروب ومن يقف بالجهة المقابلة بانتظار العودة تمضي يوميات الأفغان عقب استيلاء طالبان على كابول والإمساك بزمام الأمور في أفغانستان.

أدفاق بآمال متضادة لحالمين بالهروب من أفغانستان أو بالعودة إليها، تصطدم بالحدود والفوضى الناجمة عن مشهد جديد يغرق في غموض ما بعد سيطرة الحركة على الحكم وانهيار الحكومة السابقة.

وعلى متن شاحنات محملة بالسجاد والفرش والملابس وحتى رؤوس ماعز، يتطلع نحو 200 لاجئ أفغاني في باكستان إلى ما خلف الأفق نحو بلدة سبين بولدك جنوبي أفغانستان بانتظار العودة إلى ديارهم.

في المقابل، يسعى آلاف الأشخاص للفرار من أفغانستان مدفوعين بالرعب من عودة طالبان للحكم، الحركة التي تجر وراءها سنوات مثقلة بالتطرف قضتها في الحكم من 1996 إلى 2001.

جبهتان تختزلان التضارب الذي يطوق المشهد الأفغاني بجميع تفاصيله؛ خائفون من حكم طالبان، وآخرون مستبشرون بما قد تحمله المرحلة الجديدة من "سلام" يمهد لهم طريق العودة إلى الديار عقب سنوات من الحرب والويلات.

وفي حديث لـ"فرانس برس"، قال مولوي شعيب، أحد اللاجئين الأفغان في باكستان: "هاجرنا من أفغانستان خلال القصف والصعوبات وعندما كان المسلمون يواجهون مشكلات. الآن والحمد الله الوضع طبيعي لذلك سنعود إلى أفغانستان".

والحدود الجبلية التي تفصل سبين بولدك عن شامان جنوب غربي باكستان عبارة عن خندق بعمق ثلاثة أمتار يعلو فيه سياج شائك. ويعبر آلاف الأشخاص طريق التجارة هذه يوميا.

من جانبه، قال محمد نابي "الناس يريدون العودة لكن لا يُسمح لهم بالعبور. نطلب من الحكومة الباكستانية السماح لنا بعبور الحدود لأنه ليس هناك حرب وتم إرساء السلام".

وأضاف "عائلاتنا مع نسائنا وأطفالنا ينتظرون. نريد أن يعبروا الحدود" التي عززت إسلام أباد التدابير الأمنية عليها ما جعل عملية المرور أكثر صرامة.

ومنذ اندلاع الموجة الأولى للحرب في أفغانستان قبل أكثر من 40 عاما، استقبلت باكستان أكثر من مليوني لاجئ أفغاني، في أرقام تتغير باستمرار على وقع وتيرة النزاع، لكن السلطات الباكستانية قالت إنها ليست في موقع يسمح لها باستقبال المزيد من اللاجئين.

لاجئون "ترانزيت"

عشرات الشاحنات تربض على جانبي الطرقات بالحقول القاحلة في شامان الباكستانية على الحدود مع أفغانستان، فيما انكب ركابها على تجهيز وثائقهم بانتظار إذن بالعبور.

لاجئون "ترانزيت" يقفون على الحد الفاصل بين البلدين، يتكدسون مع أطفالهم وماشيتهم فوق مقتنياتهم وأثاثهم، بانتظار شارة العبور لإنهاء محنة اللجوء كما يرونها، فيما يقف الآلاف على الجهة المقابلة بانتظار الإذن نفسه لكن بالاتجاه المعاكس.

وعلى ظهر إحدى الشاحنات، كان مراهق يحتضن طفلا وحولهما أدوات منزلية، بينما يجلس صبي آخر بجانبه على وسادة صفراء وبينهما رأس ماعز أبيض يتحرك صوب أي صوت يبلغ سمعه، وفق "فرانس برس".

العائدون يقولون إن حياتهم ستكون أفضل في أفغانستان بعودة طالبان للحكم، والهاربون يجزمون بأن حياتهم ستتحسن بالفرار إلى ما وراء الحدود بعيدا عن سلطة حركة يرونها متشددة ولا تصلح لإدارة بلد.

ولي الرحمن، أحد اللاجئين الذين ينتظرون العودة قال: "سأعود إلى غزنة، فقد أُرسي السلام الآن ونحن سعيدون بالعودة إلى ديارنا. من الأفضل كثيرا العودة والاستقرار هناك".

لكن أقوال اللاجئ تبدو متناقضة بشكل لافت مع تلك الحشود التي شاهدها العالم وهي تهرع مذعورة إلى مطار كابول قبل أيام، وتتشبث بأطراف طائرة إجلاء أمريكية، أملا بالفرار من البلاد عقب وصول طالبان للعاصمة.

والعديد ممن يحاولون مغادرة أفغانستان يخشون انتقام طالبان بسبب عملهم لحساب حكومات أجنبية حاربت المتشددين خلال النزاع الذي استمر 20 عاما، أو أملا بتحسين أوضاعهم بعيد عن الفوضى التي تطوق بلدهم ويدركون أنها لن تنتهي على المدى القريب.