تخيل أن يخاف إنسان على سلامته الشخصية أو حياته، لأنه كان يومًا يتعلم العزف على آلة موسيقية. بحسب ما جاء في تقرير نشره موقع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي. إن هذا الوضع هو بالضبط ما يواجهه الطلاب والموظفون في المعهد الوطني الأفغاني للموسيقى ANIM حاليًا، بعد أن أعلنت حركة طالبان أنها ستحظر الموسيقى بعد استيلائها على البلاد.وتم بالفعل إغلاق أبواب المعهد الوطني الأفغاني للموسيقى، وقال مؤسسه ومديره، دكتور أحمد سرماست: إن "جميع الطلاب خائفون وقلقون. إنهم يفهمون بوضوح أنهم إذا عادوا إلى المدرسة، فربما يواجهون عواقب أو سيُعاقبون على ما فعلوه". وقال إن بعض الطلاب قاموا بالفعل بتسليم آلاتهم الموسيقية إلى المدرسة عندما استولت طالبان على المدينة.وفسر دكتور سرماست أن ما قام به الطلاب هو لأنهم اعتبروا أن هذا الإجراء أكثر أمانًا من إبقائها في المنزل، حيث يمكن أن يعثر عليها مقاتلون من طالبان.إنجازات مبهرةازدهر معهد الموسيقى في العاصمة كابل، تحت قيادة دكتور سارماست لأكثر من عقد من الزمان، وتمت الإشادة به لإعادة الموسيقى إلى فصولها الدراسية بعد حكم طالبان المتعسف في الفترة ما بين عامي 1996 و2001.درس الطلاب من الجنسين في نفس الغرفة - وهو أمر نادر في أفغانستان - وكانوا يمارسون الموسيقى الكلاسيكية الأفغانية والغربية. كما تم تشجيع الأيتام وأطفال الشوارع على الحضور، وكان العديد من الخريجين هم أول من حصل على تعليم رسمي في أسرهم.وضم المعهد أيضًا أوركسترا زوهرا، وهي أول أوركسترا في أفغانستان مؤلفة من نساء بالكامل، والتي قدمت أداءً لجمهور ضخم على الصعيدين الوطني والدولي، والتي سرعان ما أصبحت رمزًا للهوية الجديدة لأفغانستان، مع المساواة والتعليم للجميع.وقت تدمير الحلم والأمللكن التاريخ يعيد نفسه مجددًا الآن، بعدما عادت أفغانستان إلى سيطرة طالبان، وبات مستقبل المعهد وموسيقييها غير مؤكد.قال دكتور سارماست، متحدثًا من ملبورن في أستراليا، حيث يزور عائلته منذ منتصف يوليو "إنه وقت تدمير أحلامنا والأمل والإلهام للمستقبل".وأضاف أنه عندما تم الاستيلاء على كابل، علم دكتور سارماست أن طاقمه وطلابه قد يكونون مستهدفين من قبل المسلحين وأمر الجميع بالعودة إلى ديارهم.قال دكتور سارماست إن "الطلاب خائفون للغاية على مستقبلهم - ليس فقط بشأن [مواصلة] تعلم [الموسيقي]، ولكن أيضًا على حياتهم. إنهم لا يشعرون بالأمان في أفغانستان".طالبان تجتاح معهد الموسيقىوأوضح دكتور سارماست أن بعض الموظفين كانوا يقومون بمراقبة مقر المعهد عن بُعد، وأنهم أخبروه أن مقاتلي طالبان اجتاحوا مبنى المعهد، لكن لم يلحق به ضرر. واتضح لاحقًا أن الصور التي تمت مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي والتي يُزعم أنها تظهر آلات يتم تدميرها كانت مزيفة.كانت حركة طالبان تبحث عن دكتور سارماست، المعترف به دوليًا والذي يحظى باحترام عالمي لعمله التعليمي في أفغانستان. وأخبره موظفو المعهد أن مسلحين من طالبان يتواجدون في مقر المعهد ويقومون باستجواب الموظفين عن مكانه وأنهم توجهوا إلى منزله في كابل ثلاث مرات. كما حاول مقاتلو طالبان الضغط على موظفيه للحضور إلى المعهد وتسليم المفاتيح. لكن دكتور سارماست يصر على أنه لن يتفاوض ويتواصل إلا مع كبار قادة طالبان.مدى صرامة الحظرلم يتم بعد التثبت من مدى صرامة قرار حظر الموسيقى أو اتساع نطاقه، ولكن هناك مخاوف من عودة البلاد إلى عام 1996 عندما حظرت طالبان معظم الموسيقى. وصدرت عقوبات قاسية لمن يُقبض عليهم وهم يعزفون أو يستمعون إلى الموسيقى، وتم تدمير الآلات، واختبأ الموسيقيون، وتم تعليق أشرطة الكاسيت على الأشجار وقتئذ.ذكرت طالبان أن حكومتها الجديدة ستكون أكثر حداثة وأقل تطرفا هذه المرة - واعدة بالحرية للمرأة وسلامة موظفي الحكومة. ولكن لم يوضح قادتها ما يعنيه ذلك من الناحية العملية، وكان هناك عدد من الحالات التي لم تكن فيها هذه الرسائل متسقة مع سلوك مقاتلي طالبان على الأرض.قال دكتور سارماست: "يبدو الأمر ساذجًا، لكني ما زلت آمل أن تتعلم طالبان من الماضي. لكن يتزعزع الأمل عندما أرى ما يحدث على الأرض في كابل".نفي وتفجير وصمم مؤقتسبق أن فر دكتور سارماست من أفغانستان خلال الحرب في التسعينيات، وعاش في موسكو لمدة 10 سنوات ثم أستراليا، حيث أصبح أول أفغاني يكمل درجة دكتوراه في الموسيقى.بعد عودته إلى أفغانستان بعد سنوات عديدة في المنفى، كان مصممًا على المساعدة في إعادة بناء تقاليدها الموسيقية التي تعود إلى قرون. إن التفجير الانتحاري في عام 2014 الذي تركه مصابًا بجروح بالغة وصمم مؤقتًا جعله أكثر تصميماً. ويعتقد أن السنوات الخمس التي أمضتها حركة الطالبان في السلطة كانت طويلة بما يكفي ليتم فقد بعضًا من هذا التراث الموسيقي، خاصة بين الأجيال الشابة.شرط العودة المستحيلةالآن، وبعد إعادة بناء تلك المهارات والمعرفة في جيل جديد، فإن التراث الموسيقي الأفغاني أصبح عرضة للضياع مرة أخرى.وأوضح دكتور سارماست قائلاً: "سأعود فقط إذا سمح لي بالقيام بما كنت أفعله على مدار الـ 13 عامًا الماضية، ووضع معرفتي ومهاراتي وقدراتي في خدمة الأطفال والشباب في أفغانستان".
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90