سكاي نيوز عربية
لا يزال ملف المقاتلين الأجانب في صفوف "داعش"، الأكثر إرهاقا للقارة العجوز مع استمرار الضغوط الدولية لاستعادة مواطنيها الذين انضموا للتنظيم الإرهابي على مدار السنوات الماضية ومازالوا متواجدين بمخيمات في سوريا والعراق.
ودفعت تلك الضغوط الدول الأوروبية وفي مقدمتها بريطانيا للبحث عن سبل للتعامل مع هذا الملف في إطار تشريع لوائح وقوانين جديدة تحفظ أمنها القومي، نظرا لمخاوف تتعلق بعودة المقاتلين الأجانب لأوطانهم.
وفي سياق هذه التحركات، أعلنت الحكومة البريطانية مؤخرا تقديم مشروع قانون لإدخال تحديث على قانون سابق يمنح وزارة الداخلية صلاحية سحب الجنسية من مثل هؤلاء المقاتلين دون سابق إنذار.
ردود الأفعال في الداخل البريطاني
واجه المقترح انتقادات لاذعة داخل بريطانيا، حيث وصف بعض الحقوقيين والقانونيين الخطوة بـ"الانتهاك الصارخ" لحقوق الأشخاص الذين يخضعون لهذا القانون من جانب، وتوسعا في صلاحيات الداخلية البريطانية من جانب آخر.
وزادت المخاوف في الداخل البريطاني تجاه النص، خاصة وأن البند المقترح تعديله يزيل تماما الحاجة إلى إخطار المواطنين بشكل كامل، إضافة إلى إتاحة تطبيقه بأثر رجعي على جميع الحالات التي ينطبق عليها القانون وتم تجريدها بالفعل من الجنسية في وقت سابق دون إشعار.
وفي المقابل أكدت الداخلية البريطانية أن تجريد الشخص من الجنسية حق للسلطات تنفذه ضد من يشكل تهديدا على البلاد، مشددة على أن الجنسية البريطانية ليست حقا أصيلا بل امتياز.
ويعود قانون تجريد الجنسية من البريطانيين إلى عام 2005، حيث منحت السلطة للداخلية البريطانية لتجريد المواطنين الذين ثبت تورطهم في عمليات إرهابية من الجنسية عقب وقوع تفجيرات لندن في العام نفسه، وتدريجيا توسعت الحكومة في استخدام القانون ما بين عامي 2010 و2014، وأصبح إشعار الشخص بسحب الجنسية عبر وضع نسخة في ملفه الشخصي في حال تواجده بمكان غير معلوم.
دوافع القرار
شهد العامان الماضيان حالات سحب الجنسية من مقاتلين ومقاتلات بريطانيين التحقوا بصفوف تنظيم "داعش"، حيث علمت أحد المقاتلات البريطانيات في صفوف التنظيم متواجدة بمخيم روج شمال شرقي سوريا العام الماضي بتجريدها من الجنسية دون سابق إنذار لتعذر السلطات البريطانية إبلاغها بالأمر منذ عام.
فمنذ عام 2014 لجأت بريطانيا إلى تلك الخطوة خوفا من نشر إيدلوجية متطرفة في المجتمع البريطاني حال عوده المقاتلين مرة أخرى، حيث أسقطت الجنسية عن 21 شخصا في عام 2018، و104 آخرين في عام 2017، ونحو 23 شخصا بين عامي 2014 وحتى 2016.
كما أصدر القضاء البريطاني قرارا بحق فتاة تدعى شاميما بيجوم انضمت لداعش منذ 4 سنوات، بمنعها من دخول البلاد وسحب الجنسية منها بتهمة الانضمام لتنظيم إرهابي، واستندت الداخلية البريطانية في قرارها بشأن تجريد بيجوم من الجنسية إلى حملها جنسية بنغلاديش أيضا.
وتشابهت قصة بيجوم مع البريطاني جاك لتس، والذي يحمل الجنسيتين البريطانية والكندية، وأسقطت لندن عنه الجنسية لتورطه في القتال مع داعش بسوريا.
ويرى مدير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، جاسم محمد، أن الأسباب التي دفعت بريطانيا لاتخاذ خطوة تعديل قانون سحب الجنسية، جاءت نتيجة الانتقادات الموجهة ضدها في ملف حقوق الإنسان بشأن المقاتلين الأجانب، نظرا لأن نزع الجنسية يتعارض مع الدستور والقضاء البريطاني.
وأوضح محمد في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن القانون لا يتيح أن يكون الشخص دون جنسية، أو يجرد من جنسيته إلا في حالة مزدوجي الجنسية.
ورغم تأكيد بريطانيا الدائم على مساندة مواطنيها المحتجزين في معاقل تنظيم "داعش" السابقة حيث عاد منهم حوالي 40 في المئة من المقاتلين، إلا أن منظمات بريطانية غير حكومية أشارت إلى وجود 25 بريطانيا ونحو 34 طفلا بمخيمات في سوريا، موجهة للسلطات البريطانية تهم التخلي عنهم بعد رفضها استقبال عائلات وحرمان مواطنيها من الجنسية.
دلالات الخطوة
ويشير مدير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، إلى أن قرار الحكومة البريطانية يحمل دلالات ترتبط بالتوقيت الحالي لتفاقم الأوضاع الإنسانية في مخيمات شمال شرقي سوريا، حيث تتصدر بريطانيا بجانب فرنسا قائمة الدول الأوروبية التي انضم مواطنوها إلى "داعش".
فالتنظيم الإرهابي يضم في صفوفه ما يقرب من 900 مواطن بريطاني في كل من سوريا والعراق.
ويشير محمد إلى أن الخطوة "تحمل مؤشرا لرغبة بريطانيا في استعادة كافة المقاتلين من الجنسية البريطانية المتواجدين في مخيمات ومعسكرات بالعراق وسوريا، لذا يصبح التعديل بشأن إمكانية سحب الجنسية دون سابق إنذار لتحقيق الأمن القومي هو ضمن إجراءات جديدة تنوي الحكومة البريطانية اتخاذها لمكافحة الإرهاب والتطرف في حالة استقبال مواطنيها من المقاتلين".
وعن مصير المقاتلين الأجانب في ظل الإجراءات الأخيرة، أكد محمد أن القوانين والدساتير الأوربية "تنص على ضرورة استعادة دول أوروبا كافة مواطنيها من المقاتلين"، مرجحا أن يصب القانون البريطاني المقترح حاليا في صالح المقاتلين المتواجدين في سوريا بشكل إيجابي، ومراجعة الدول الملف والسير نحو سيناريو استعادة مواطنيها في ظل إجراءات تضمن حفظ أمنها القومي.