سكاي نيوز عربيةتحمل أنباء الانسحاب الروسي الجزئي من حدود أوكرانيا دلالات مختلفة تفرض حالة من "التفاؤل الحذر" بخصوص وقف التصعيد، وفي ضوء الجهود الدبلوماسية المبذولة، لا سيما من جانب ألمانيا، لإنهاء التوتر والتهديدات المتبادلة التي غلفت المشهد، وأدت إلى حالة من الذعر تجاوزت حدود أوكرانيا.وفيما يرى حلف الناتو أن الإشارات الروسية الأخيرة بخصوص مواصلة السبل الدبلوماسية بشأن أزمة أوكرانيا هي إشارات "إيجابية"، فإنه في الوقت نفسه، وعلى لسان الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، لا يُفرط في التفاؤل، ويعتقد بأنه"لا تتوافر أي مؤشرات على أن موسكو تسحب قواتها من الحدود".وبمزيد من الحذر والتشكك، علقت الولايات المتحدة، على لسان السفيرة الأميركية لدى حلف الناتو جوليان سميث، على الخطوة الروسية الأخيرة، بالإشارة إلى أن "الأيام المقبلة سوف تكشف عن الهدف من التحركات الأخيرة"، مشددة على أنه يتم التحقق من تلك الخطوة الروسية.يأتي ذلك في وقت أعلنت فيه كييف أن جهودها الدبلوماسية مع الحلفاء الغربيين أسهمت في "تفادي تصعيد روسي أكبر". ويرى أن الحلول الدبلوماسية لا تزال موجودة.على الجانب الآخر، فإن روسيا أكدت من جديد -وعلى لسان الرئيس فلاديمير بوتن في مؤتمر صحفي مشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتس- أنها لا تريد الحرب، بينما في الوقت نفسه لم تصل إليها ردود إيجابية على مقترحاتها التي سبق وأن قدّمتها بشأن "الأمن المشترك".مؤشرات إيجابيةوتعليقاً على تلك التطورات ودلالاتها وأبرز السيناريوهات المتوقعة، يرى خبير العلاقات الدولية أكرم حسام، أن "الخطوة الخاصة بسحب بعض الوحدات الروسية من الحدود مع أوكرانيا لا يجب ربطها بشكل مباشر بسياق الصراع؛ لأنها جزء من عملية تحريك القوات الحالية على حدود روسيا".وقال إن موسكو منذ بداية تصعيد الموقف تقول إن هذا الإجراء هو إجراء سيادي وفي إطار عملية إحلال وتبديل بعض القوات وتحريك بعض العناصر وعودة بعض العناصر الأخرى التي شاركت في مناورات لوحداتها من جديد.وجميعها إجراءات يتعين وضعها في سياقها العسكري الصحيح، ويصفها حسام في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" بأنها مجرد "خطوات تكتكية" ليس لها تأثير على البعد الاستراتيجي للموقف.ويلفت إلى أن الخطوة الأهم هي موافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن على مسودة الخارجية الروسية بشأن الرد على الضمانات الأمنية، وهي الخطوة التي يعتبرها خبير العلاقات الدولية مؤشراً إيجابياً على صعيد حلحلة الأزمة، في خطٍ متوازٍ مع زيارة المستشار الألماني أولاف شولتز إلى كل من روسيا وأوكرانيا، وحديثه حول أن الفرص الدبلوماسية ماتزال متاحة لحل الموقف، فضلا عن المبادرة الفرنسية."لا ضربة قريبا"وجميعها مؤشرات تعكس أن "الموقف العسكري على الأرض لن يشهد تحركات كما يشاع حالياً في الإعلام الغربي بأن هناك ضربة عسكرية"، طبقاً لخبير العلاقات الدولية، الذي يوضح في الوقت نفسه أن "الموقف العسكري على الأرض لم يتغير.. ما يحدث هو أن هناك عملية تضخيم رهيبة في الإعلام الغربي (..) هناك دفع مباشر من الأميركان لروسيا لاتخاذ قرار الحرب لأهداف وأبعاد استراتيجية ربما أبعد من أوكرانيا".وكان الكرملين قد أكد بدء عملية مقررة لسحب جزء من القوات الروسية المنتشرة عند الحدود مع أوكرانيا، لكنه شدد على أن روسيا "ستواصل تحريك جنودها في أنحاء البلاد كما تراه مناسباً".وشهدت الأيام الماضية مزاعم وتحذيرات أميركية وغربية حول استعداد روسيا لاقتحام أوكرانيا، بينما نفت موسكو ذلك في أكثر من مناسبة على لسان عدد من المسؤولين الروس.ويثير تمدد حلف الناتو شرقاً قلق روسيا والصين. وقدمت مجموعة من المقترحات الأمنية للغرب، وهي المقترحات التي تقول موسكو إنها لم تتلق ردوداً إيجابية بشأنها.الكرة في ملعب الناتوالكاتب المتخصص في العلاقات الدولية، أسامة الدليل، يصف المشهد الراهن بأنه مشهد "استعدادات للحرب" بينما نية الحرب غير موجودة عملياً، لافتاً إلى أن هذه القوات تتحرك على أراضيها وبعضها يعود لقواعده والبعض الآخر يتم إحلاله، وتظل حالة الحشد مستمرة، وفي ظل حالة "الهيستريا في الإعلام العالمي" وتداعياتها على العالم.وفي تقدير الدليل فإن "الموقف الحالي في أوكرانيا لا يخص روسيا أو أوكرانيا وحدهما، إنما يخص حلف الناتو الذي يتوسع شرقاً دون اعتبارات للحسابات والتوازنات الجيوسياسية"، موضحا أن الأزمة الحقيقية أن "هناك إهدار كبير لمبادئ التوازن الجيوسياسي في هذه المنطقة المهمة من العالم، والتي اعتبرها عالم الجغرافيا السياسية الشهير هالفورد جيه ماكيندر أخطر منطقة في العالم من جهة النفوذ الجيوسياسي".فكرة ضم أوكرانياويوضح في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" أن الصراع الحالي يتعين معه أن يرتد حلف الناتو للغرب ويتنازل عن فكرة ضم أوكرانيا، فضلاً عن مسألة التسليح المفرط لأوكرانيا والصواريخ الموجودة في مناطق خطيرة مثل بولندا ودول البلطيق.وشدد في الوقت نفسه على أن "روسيا تريد أن تكون أوكرانيا منطقة عازلة بينها وبين الكتلة الأوروبية.. وجاء اتفاق مينسك ليضع إطاراً لذلك، لكنه لم يُطبق عملياً، وصار المشهد أمام موقف معقد على مستوى القانون الدولي وعلى مستوى التصعيد".يعكس ذلك المشهد ما تشهده خريطة التوازنات الاستراتيجية من تغيرات في العالم، في ظل نظام عالمي جديد يعاد ترتيب أوراقه في سياقات شديدة الخطورة من بينها التغير المناخي وأزمة كورونا والأزمات الاقتصادية وغيرها.