العين الإخبارية

حذرت تقارير غربية من أن روسيا قد تكون تمارس الخداع بأنباء سحب قواتها في ظل توترات تتفاقم شرقي أوكرانيا قد تتخذها موسكو ذريعة للغزو.

ونقلت صحيفة "التليجراف" البريطانية عن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، قوله، إنه في الوقت الذي تقول فيه روسيا إنها سحبت المزيد من القوات، التي تتمركز على الحدود مع أوكرانيا، لا يوجد ما يؤكد ذلك على أرض الواقع.

وأضاف: "هناك اختلاف كبير بين ما تقوله روسيا، وما تفعله، أما ما يحدث الآن فهو شيء لا يمكن أن يعني انسحابا".

وتابع: "على العكس تماما، نحن نرى بشكل مستمر تحركات متزايدة، وحشدا متواصلا، للقوات التي يمكن أن تكون أساسا لأي هجوم على الأراضي الأوكرانية".

بدوره، قال ينس ستولتنبيرغ، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، إن السلوك المعتاد مؤخرا بالنسبة لروسيا هو "التهديد بالغزو، لتحدي المبادئ الأساسية، للأمن الأوروبي.

ونقلت الصحيفة عن مصدر استخباراتي غربي، لم تسمه، أنه "لا توجد أي أدلة حتى اللحظة، تدعم فكرة أن التصعيد العسكري سيتوقف بأي شكل من الأشكال".

كما تنقل عن مايكل كوفمان، خبير الشؤون الروسية في مركز الدراسات البحرية الأمريكي، قوله إن موسكو يمكن أن تكون قد نقلت قوات شكلية، بعيدا عن الحدود للفت الانتباه فقط، بغرض الترويح لانطباع أنها توقف التصعيد العسكري.

وأضاف: "الغالب أننا سنرى عمليات نقل لقوات بشكل رمزي، قرب الحدود الأوكرانية دون التأثير على النسق العام للقوات، أو تغيير للصورة العامة لانتشار الجنود".

توترات تتفاقم

وفي تصعيد جديد، اتهم الجيش الأوكراني، الخميس، القوات المدعومة من روسيا في شرق أوكرانيا بإطلاق قذائف على قرية في منطقة لوهانسك أصابت روضة أطفال.

فيما ذكر مصدر دبلوماسي لرويترز أن مراقبي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا سجلوا عدة وقائع قصف على طول خط التماس بين المتمردين المدعومين من روسيا والقوات الحكومية في شرق أوكرانيا اليوم الخميس.

وقال الانفصاليون في وقت سابق إن قوات كييف قصفت أراضيهم بقذائف المورتر، مما أدى إلى تصعيد التوتر وسط مواجهة بين روسيا والغرب. واتهمت الحكومة الأوكرانية بدورها المتمردين باستخدام المدفعية.

ويحارب متمردون مدعومون من روسيا في تلك المنطقة قوات الجيش الأوكراني منذ عام 2014. وزاد التوتر في الآونة الأخيرة مع حشد روسيا قوات عند الحدود.

تناقض الروايات

واليوم الخميس، قالت شركة أمريكية خاصة إن صور الأقمار الصناعية تظهر أن روسيا سحبت عتادا عسكريا من مناطق قرب أوكرانيا، لكن عتادا آخر وصل إلى هناك وأن موسكو لا تزال لديها الكثير من القوات والعتاد بالقرب من جارتها السوفيتية السابقة.

ولم يتسن التحقق من الصور التي نشرتها شركة ماكسار تكنولوجيز التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها وتتابع حشد القوات الروسية منذ أسابيع.

ونبهت دول غربية أمس الأربعاء إلى تنامي الوجود العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية، فيما يتعارض مع إصرار موسكو على انسحاب جزئي.

وأعلن البيت الأبيض أن موسكو لم تسحب قوات عن الحدود مع أوكرانيا بل أرسلت تعزيزات من سبعة آلاف عسكري، ما يزيد المخاوف من اجتياح روسي لهذا البلد.

وصرح مسؤول كبير في البيت الأبيض طلب عدم كشف اسمه مساء الأربعاء لصحفيين "بالأمس (الثلاثاء) أعلن الروس أنهم يسحبون قوات عن الحدود مع أوكرانيا (...) نعرف الآن أن هذا غير صحيح".

وضم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي صوته إلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مؤكدا أنه لم يلاحظ بوادر تراجع في الحشد العسكري الروسي على حدود بلاده بل مجرّد "عمليات تبديل صغيرة" لوحدات.

ويحذر الغرب منذ أسابيع من مخاطر غزو روسي وشيك لأوكرانيا بعدما حشدت موسكو أكثر من مئة ألف جندي عند الحدود الأوكرانية وأجرت تدريبات عسكرية عدة، في وضع متفجر وسط أسوأ أزمة بين الغرب وموسكو منذ انتهاء الحرب الباردة رغم نفي متكرر من روسيا.

وبالرغم من تكثيف التحركات الدبلوماسية، حذر الأمريكيون والغربيون من أن عقوبات اقتصادية واسعة جاهزة في حال أقدمت روسيا على غزو أوكرانيا، وهو ما تقول موسكو إنها لا تخطط له.

وأعلن الجيش الروسي الأربعاء انتهاء تدريبات ومغادرة عسكريين روس شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا من أوكرانيا عام 2014، ونشر مقطع فيديو قال إنه يظهر عربات محملة بمعدات عسكرية تغادر المنطقة ليلا.

كما وعدت بيلاروسيا الأربعاء بأن جميع العسكريين الروس المنتشرين على أراضيها في إطار مناورات سيغادرون البلاد في الموعد المقرر لانتهاء التدريبات في 20 فبراير/شباط.

مناورة روسية

في وقت كانت فيه أنظار العالم تتجه نحو شرق أوروبا، وتحديدا إلى أوكرانيا، ويستعد لأسوأ السيناريوهات، تفاجأ الرأي العام الدولي بإعلان انسحاب روسي جزئي من حدود أوكرانيا، في مؤشر قد يأخذه البعض على أنه بداية وقف للتصعيد.

ولكن يرى خبراء أن الأمر يتجاوز ما يوحي به ظاهره، فإنهم يتفقون عند جزئية هامة ضمن دلالات الانسحاب، تتضح بشكل أساسي من التوقيت الذي يأتي عشية "الموعد" المفترض للغزو الروسي، في رسالة أراد من خلالها الرئيس فلاديمير بوتين دحض جميع السيناريوهات والتكهنات المتداولة.

فالإعلان من شأنه أن يضرب أكثر من عصفور بالنسبة لموسكو، أولها تأكيد عدم وجود أي نية من جانبها لاجتياح كييف، وثانيا تفنيد التوقعات الغربية، وخصوصا الأمريكية" التي تنتظر حربا "في أي لحظة"، وفق تصريحات سابقة لمسؤولين أمريكيين.

ثانيها أن في الانسحاب الجزئي رسالة باستمرار "الخطر"، حيث قد تعمل موسكو على اللعب بورقة الضغط الضمني من أجل تحقيق اختراق بملف الضمانات الأمنية، وهذا ما يفسره التراجع التكتيكي الجزئي بانتظار رد "أفضل" من جانب واشنطن والناتو على مقترحات موسكو.

غير أن التصريحات الأمريكية بأن هناك تبديلا للقوات وليس انسحابا تشي بأن الانسحاب الجزئي قد لا يكون سوى مناورة من روسيا لإخراج نفسها من دائرة الاتهامات والتلويح بالعقوبات من جهة، وللاستمرار في ضغطها على الغرب بملف الضمانات الأمنية من جهة أخرى.

طرح يؤكده الغضب الروسي المستمر من "تجاهل" واشنطن والناتو البنود الرئيسية للضمانات الأمنية التي تطالب بها، وهو الملف الذي تعمل عليه موسكو بكامل قوتها في محاولة لتحقيق أقصى الاستفادة من القلق الغربي من الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا.

غضب ظهر جليا في تصريحات المسؤولين الروس بينهم وزير الخارجية سيرجي لافروف والذي تطرق للأمر في مكالمة هاتفية جمعته قبل أيام بنظيره الأمريكي أنتوني بلينكن.

وحينها، نقلت الخارجية الروسية عن لافروف، تأكيده على أن "الحملة الدعائية عن العدوان الروسي" ضد أوكرانيا والتي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها لها غايات استفزازية، وتحرض حكومة كييف على تخريب اتفاقات مينسك واللجوء إلى محاولات ضارة لتطبيق حل عسكري لقضية "دونباس".

ورغم صعوبة التكهن عما إن كان القرار الروسي تراجعا أم مناورة، لكن المؤكد هو أن ما يجري حاليا يستنسخ مشهدا مماثلا جرى قبل ذلك، حين عززت روسيا، ربيع العام الماضي، قواتها على الحدود الأوكرانية وسط توقعات بأن الهدف من ذلك هو جني فوائد دبلوماسية.

لكن روسيا أعادت سحب تعزيزاتها بعد وقت قصير من إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين عقد قمة بينهما، وآنذاك، توقع خبراء أن يعود بوتين للحيلة نفسها كلما أراد تحقيق مكاسب، وهو ما يحصل الآن بخصوص الضمانات الأمنية التي تطلبها موسكو.

محللون آخرون يذهبون إلى أبعد من ذلك بالقول إن الأمر يبدو مختلفا هذه المرة، وأن الغضب الروسي بدأ حين استخدمت كييف طائرات مسيرة صنعت في تركيا، العضو في "الناتو"، قبل أن تمنح تطورات الأحداث موسكو الفرصة للذهاب لأبعد من "تأديب" أوكرانيا واستثمار المخاوف الغربية في ملف الضمانات الأمنية.

ويتهم بوتين الغرب بتجاهل “الخطوط الحمراء” لروسيا من خلال إجراء تدريبات في البحر الأسود وإرسال أسلحة حديثة لكييف، مطالبا “بضمانات قانونية” من حلف "الناتو" بعدم التوسع شرقا.

ومع أن مراقبين يستبعدون أن تجتاح روسيا أوكرانيا متسائلين عما ستكسبه من ذلك، لكن التاريخ القريب يؤكد أن موسكو لا تعتمد دائما مبدأ المناورة أو الضغط فقط، وإنما قد تتطور عملياتها العسكرية بشكل يصل حدا أكبر من التوقعات.

ففي عام 2008، قصفت روسيا أهدافا في جورجيا بعدما أرسل رئيسها آنذاك ميخائيل ساكاشفيلي قوات لمحاربة الانفصاليين، وفي نهاية نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي الماضي، قارن جهاز الاستخبارات الروسية الوضع الحالي في أوكرانيا بالوضع في جورجيا في ذلك العام، ودعا رئيسها إلى عدم ارتكاب الخطأ نفسه الذي ارتكبه ساكاشفيلي، مذكرا إياه بأن “ذلك كلفه غاليا”.