الشرق للآخبار

بلغ التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا ذروته إثر غزو أوكرانيا من قبل الجيش الروسي، لكن في الفضاء يتشارك مواطنون روس وأميركيون الإقامة داخل محطة الفضاء الدولية التي يتطلب تشغيلها تعاوناً بين البلدين لا يزال صامداً بوجه كل الأزمات الدبلوماسية.

غير أن تساؤلات تُطرح حالياً عما إذا كان هذا التعاون قابلاً للصمود أكثر، بعدما أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن الخميس عن عقوبات ضد روسيا، رداً على هجماتها العسكرية في أوكرانيا.

وقال بايدن إن هذه العقوبات "ستضر بصناعتهم في قطاع الفضاء وببرنامجهم الفضائي وستضر بقدرتهم على بناء مركبات" فضائية.

ورداً على ذلك، اتهم مدير وكالة الفضاء الروسية ديمتري روجوزين المعروف بتصريحاته الجدلية والمقرب من الكرملين، في تغريدات عبر تويتر الولايات المتحدة بممارسة "ابتزاز"، والرغبة في "تدمير التعاون" في ما يخص محطة الفضاء الدولية.

ووجّه سؤالاً لا يخلو من التهديد جاء فيه "من سينقذ محطة الفضاء الدولية من خروج من المدار خارج عن السيطرة ومن سقوط على الولايات المتحدة أو أوروبا؟" في حال الاستغناء عن الدور الروسي.

مصالح في الفضاء

ويعتمد تصحيح مدار محطة الفضاء الدولية فعلياً على نظام الدفع الذي توفره المركبات الروسية. غير أن القسم الأميركي يوفر أيضاً وظائف حيوية ضرورية.

وأوضحت جولي باتارين جوسيك التي وضعت كتاباً عن محطة الفضاء الدولية والمدرّسة السابقة في جامعة سان بطرسبرج الحكومية، أن هذا الاعتماد المتبادل اعتُمد بالأساس بهدف تفادي "الانزلاقات المرتبطة بالتطورات (السياسية)".

وأشارت باتارين جوسيك إلى أن موسكو ليست لديها أي مصلحة في قطع العلاقات في هذا المجال.

وقالت: "إذا ما انسحبت روسيا من محطة الفضاء الدولية، وهو أمر مستحيل نسبياً نظراً إلى الأطر القانونية التي تحكم البرنامج، فإن ذلك سيعني زوال البرامج الفضائية المأهولة".

من جانبها، أكدت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) "مواصلة العمل مع الشركاء الدوليين"، بما في ذلك وكالة الفضاء الروسية (روسكوسموس)، "من أجل سلامة العمليات الحالية" لمحطة الفضاء الدولية.

وقال يوزف أشباكر المدير العام لوكالة الفضاء الأوروبية، وهي من الشركاء أيضاً في محطة الفضاء الدولية مع اليابان وكندا، إنه "رغم النزاع الدائر، يبقى التعاون الفضائي المدني جسراً".

ولفت باتارين جوسيك إلى أن رواد الفضاء الموجودين حالياً في المحطة المدارية، وهم روسيان و4 أميركيين وألماني، يدركون بالتأكيد التوترات الحالية. لكن تدريبهم علّمهم أن يظلوا واقعيين، ومعظمهم شديدو الحرص على البعد الدولي للبرنامج.

وليست هذه المرة الأولى التي يتسبب فيها الوضع الأوكراني في اضطرابات في قطاع الفضاء.

ففي عام 2014، بعد العقوبات الأميركية الأولى التي أعقبت ضم روسيا شبه جزيرة القرم، اقترح ديمتري روجوزين الذي كان يشغل حينها منصب نائب رئيس الوزراء الروسي لشؤون الفضاء، أن تستخدم الولايات المتحدة "منصة لنقل روادها إلى محطة الفضاء الدولية".

في ذلك الوقت، لم يكن لدى الولايات المتحدة أي مركبات أميركية لنقل روادها إلى الفضاء، ولذلك استخدموا صواريخ سويوز الروسية.

وفي عام 2020، بعد أن أنهت أول رحلة لشركة "سبايس إكس" إلى محطة الفضاء الدولية هذا الاحتكار، قال رئيس الشركة إيلون ماسك بشكل استفزازي "المنصة تعمل جيداً". كما دفعت هذه الواقعة روسيا إلى تنويع إمداداتها.

ورغم عقوبات 2014 التي استهدفت "الإلكترونيات الدقيقة"، ذكر روجوزين في تغريدة "ما زلنا نبني مركباتنا"، مؤكداً "أننا سنواصل بناءها من خلال إنشاء صناعة محلية للمكونات الضرورية".

ولفتت جولي باتارين جوسيك إلى تخصيص جزء كبير من استراتيجية روجوزين الفضائية "للتمكين التدريجي لروسيا في هذه المجالات، تحديداً لوقف الحاجة إلى الواردات من الخارج". وأشارت إلى أن ذلك يعني وجود "صعوبة في وضع تقويم فوري" لعواقب العقوبات الجديدة.

تعاون مع الصين

وظهرت فكرة أن ينضم رائد فضاء روسي إلى محطة الفضاء الدولية على متن مركبة فضائية من صنع "سبايس إكس"، ورائد فضاء من وكالة ناسا على صاروخ سويوز. لكن موسكو لم توافق رسمياً على الفكرة بعد. وعلى نطاق أوسع، قد يعاني مستقبل محطة الفضاء الدولية على المدى الطويل من هذه الأزمة.

وقال الأستاذ في معهد سياسة الفضاء بجامعة جورج واشنطن جون لوجسدون إن "الوضع الحالي، ما لم يتم حله بسرعة، قد يؤثر في رغبة روسيا في الاستمرار في المشاركة، أو على استعداد أميركا لإبقائها معنية" بمحطة الفضاء الدولية.

وقالت الولايات المتحدة إنها تريد تمديد محطة الفضاء الدولية حتى عام 2030، لكن روسيا ملتزمة حالياً حتى عام 2024 فقط.

ورفضت موسكو المشاركة في برنامج Artemis الأميركي للعودة إلى سطح القمر. من ناحية أخرى، أعلنت أنها تريد بناء محطتها الفضائية الخاصة، فضلاً عن بناء محطة قمرية بالاشتراك مع الصين.