وليد صبري




* التركيز على تناول الخضروات والفواكه والحبوب الكاملة والبقوليات


* ضرورة الإقلال من تناول اللحوم الحمراء وتجنّب اللحوم المُصنّعة

* الخلايا السرطانية تستهلك غلوكوز الدم بسرعة 200 ضعف الخلايا الطبيعية

* الشحوم والبدانة المتمركزة في البطن الأكثر خطراً للإصابة بالسرطان


كشف استشاري طب العائلة وأمراض السكري، د. فيصل المحروس، عن أن الإصابة بمرض السكري تزيد من احتمالات الإصابة بالسرطان، مشيراً إلى أن هناك مجموعة من العوامل التي تخفض احتمال الإصابة بالسرطان عند مرضى السكري، لعل أبرزها ضرورة الإقلال من تناول اللحوم الحمراء وتجنّب اللحوم المُصنّعة، وضرورة الحرص على تقليل نسبة الشحوم في الجسم، وخاصةً تلك الموجودة في الخصر، والتركيز على تناول الخضروات والفواكه والحبوب الكاملة والبقوليات.

وقال د. المحروس في تصريحات لـ"الوطن الطبية"، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للسكري، تحت شعار "الوصول لمرضى السكري.. إن لم يكن الآن، فمتى؟"، ""هناك نوعان من مرض السكري، يصيب النمط الأول الشبابَ والأطفال غالباً ويُعالج بحُقن الأنسولين، أمّا النمط الثاني فيصيب البالغين ويُعالج بالأدوية الخافضة لسكر الدم، ويعد السكري بنوعيه من الأمراض الشائعة جداً في المجتمع، ويعاني الكثير من المرضى المصابين بالسكري من السرطان أيضاً.

وفي رد على سؤال حول العلاقة بين مرض السكري والسرطان وكيف يمكن الوقاية من الإصابة بالسرطان عند مرضى السكري، أفاد د. المحروس بأنه "يزيد مرض السكري من احتمال الإصابة ببعض السرطانات، ولكن لا يمكن أن نقول أن السكري وحده يؤدي إلى السرطان، ولذلك فإن السؤال "هل يسبب السكر السرطان؟"، ليس صحيحاً. والأفضل أن نقول "هل تزيد الإصابة بالسكري من احتمال حدوث السرطان؟"، وهنا يكون الجواب بـ"نعم"".

وتابع "تُضاعف الإصابة بالنمط الثاني من السكري "أو ما يُدعى بالسكري الكهلي" من احتمال الإصابة بسرطان الكبد وسرطان البنكرياس وسرطان بطانة الرحم. كما يزيد احتمال الإصابة بسرطان الكولون والمثانة والثدي والليمفوما بنحو 20-50% بالمقارنة مع الأشخاص الطبيعيين. يُذكر أن النساء المصابات بالسكري وسرطان الثدي أكثر عرضةً للوفاة بهذين المرضين الخطيرين من النساء المصابات بسرطان الثدي لوحده. وعلى العكس فإن السكري يخفّض احتمال إصابة الرجال بسرطان البروستات".

وقال تشير الدراسات الحديثة إلى أن كل ما سبق ليس محض صدفة، بل أن هناك علاقة وثيقة بين السكري وأدويته والأمراض التي ترافقه من جهة والسرطان من جهة أخرى. وسنشرح هذه العلاقة تالياً، حيث إن هناك تأثير للعوامل المختلفة في السكري على إحداث السرطان:

- السُمنة: من المعروف أن السُمنة تؤهب لحدوث السكري، إذ تشير الدراسات إلى أن البدانة مسؤولة عن 80-85% من حالات السكري الكهلي. وذلك لأنها تزيد من مقاومة الجسم لهرمون الأنسولين، وقد ذكرنا في مقالة سابقة أن البدانة تزيد من احتمال حدوث 13 سرطاناً مختلفاً ووضّحنا سبب ذلك. ولذا فإن السمنة تُعد من عوامل الخطر التي تزيد من احتمال الإصابة بالسكري والسرطان على حد سواء.

- ارتفاع سكر الدم: يُعد السكر الغذاء الرئيس للخلايا السرطانية، حيث تستهلك الخلايا السرطانية غلوكوز الدم بسرعة تصل إلى 200 ضعف مقارنةً بالخلايا الطبيعية، حتى أن الأجهزة الحديثة تكشف الخلايا السرطانية عن طريق تحديد الخلايا التي تستهلك الكثير من السكر، وهو ما يُدعى بتقنية PET أو التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني. كما أن السكر المرتفع يؤذي الخلايا وقد يسبب شذوذات في المادة الوراثية الـDNA مؤديةً لحدوث السرطان.

- ارتفاع مستويات هرمون الأنسولين وغيره، حيث تشير الدراسات إلى أن ارتفاع مستويات هذا الهرمون -وهو ما يحدث عادةً في السكري الكهلي "من النمط الثاني"- يمكن أن تسبب السرطان.

- يمتلك كثيرٌ من الأشخاص الذين يعانون من السكري عواملَ خطرٍ تزيد من احتمال الإصابة بالسرطان. وتتضمن كلاً من التقدم بالعمر، والحمية غير الصحيّة، وقلّة النشاط الفيزيائي، والالتهاب المزمن.

وهناك تأثير للأدوية المستخدمة في معالجة السكري على السرطان:

- الميتفورمين: يعد هذا الدواء أكثر أدوية السكري الكهلي استخداماً على الإطلاق. إذ يعمل على تخفيض سكر الدم. يؤدي ذلك إلى “تجويع” الخلايا السرطانية التي تتغذى عليه. ولذلك فإن لهذا الدواء تأثيرٌ مضاد لحدوث السرطان. وقد أشارت الدراسات إلى أن مرضى السكري الذين يتناولون هذا الدواء هم أقل عرضة للإصابة بالسرطان من غيرهم، دوناً عن الوفاة به.

- زرع الخلايا الجزيرية البنكرياسية: تعد هذه التقنية من أحدث ما أنتجه العلم في مجال علاج السكري من النمط الأول (الشبابي). يجب عند زراعة أي عضو تثبيط الجهاز المناعي. قد يؤدي هذا التثبيط لتطوّر السرطان، وخاصة سرطان الجلد. فقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن نصف المرضى الذين يتناولون أدوية مثبّطة للمناعة سيصابون بسرطان الجلد خلال 20 سنة.

- العلاج الكيميائي: تؤدي بعض أنواع الأدوية التي تستخدم في علاج السرطان إلى حدوث مقاومة للأنسولين، وبالتالي لظهور أعراض السكري.

- العلاج المناعي: تعد الأدوية المقويّة للمناعة من أحدث طرق علاج السرطان وأكثرها فعاليةً. ولكنها قد تزيد من خطر الإصابة بالسكري من النمط الأول "الشبابي" الذي يعد من الأمراض المناعية الذاتية. فالعلاج بهذه الأدوية يزيد من قوّة وعدوانية الجهاز المناعي لدرجة أنه قد يهاجم خلايا الجسم البريئة أحياناً. وعندما يهاجم الخلايا التي تنتج الأنسولين فستتخرب وسيصاب المريض بالداء السكري الشبابي.

وفيما يتعلق بكيفية الإصابة بالسرطان، أفاد د. المحروس بأن السرطان يتألف من خلايا تتكاثر بسرعة كبيرة وغير مضبوطة، وهكذا فإنها تغزو المناطق المجاورة وتؤذي الخلايا والأعضاء والجسم بأكمله. وهناك عدة عوامل تساهم بإحداث السرطان عند اجتماعها. وتختلف هذه العوامل من سرطان إلى آخر. فعوامل الخطر لسرطان الكولون تتضمن التقدم بالعمر، والوراثة، والحمية الغذائية قليلة الألياف كثيرة الدسم، وقلة النشاط الفيزيائي، والإصابة بداء البوليبات العائلي الوراثي، وغيرها. يزيد كل عامل من هذه العوامل احتمال الإصابة بسرطان الكولون. وكلما امتلك الشخص عدداً أكبر من عوامل الخطر أصبح احتمال إصابته أعلى. وأهم هذه العوامل هي الوراثة.

وتتضمن عوامل خطر الإصابة بسرطان البنكرياس كلاً من البدانة، والسكري، والتدخين، والتقدم بالعمر، وغيرها. ويختلف دور كل عامل من العوامل السابقة في إحداث السرطان. إلّا أن أهمها هي البدانة والتدخين.

وذكر أنه هكذا نجد اختلافاً في العوامل المسببة للسرطان من نوع لآخر. ونجد أيضاً اختلافاً في أهمية كل عامل منها".

وتحدث د. المحروس عن إمكانية خفض احتمال الإصابة بالسرطان عند مرضى السكري، على النحو التالي:

* احرص على تقليل نسبة الشحوم في الجسم، وخاصةً تلك الموجودة في الخصر: إن زيادة الشحوم في الجسم مسؤولة عن إحداث عدة سرطانات. وكلما انخفض مشعر كتلة الجسم BMI انخفض احتمال الإصابة بالسرطان. وقد ذكرت الجمعية الأمريكية للداء السكري أن من الضروري على مرضى السكري من النمط الثاني أن يخفّضوا 7% على الأقل من وزنهم "أو حوالي 2-8 كغ"، فهذا يساعد على تخفيض احتمال الإصابة بالسرطان.

وبما أن الشحوم والبدانة المتمركزة في البطن هي الأكثر خطراً لحدوث السرطان، فإن المعهد الأمريكي لبحوث السرطان ينصح بألّا يتجاوز محيط خصر الرجل 94 سم "37 إنش" والمرأة 80 سم "31.5 إنش". وذلك عن طريق تقليل السعرات الحرارية المستهلكة، من خلال التركيز على تناول الخضروات غير النشوية "كالجرجير والخيار والطماطم والقرنبيط والخس وغيرها"، وتقليل الأطعمة عالية السعرات الحرارية.

* التركيز على تناول الخضروات والفواكه والحبوب الكاملة والبقوليات: من المعروف أن الإكثار من هذه الأطعمة يترافق مع معدلات منخفضة لحدوث السرطان. فهي غنية بالألياف وغيرها من المغذيات الضرورية للوقاية من حدوث السرطان. كما أن هذه الأغذية قليلة السعرات "وبالتالي تقلل من مردود السعرات الواردة إلى الجسم" وهي ضرورية لتصنيع الـDNA. تقلل الألياف النباتية والحبوب الكاملة من احتمال حدوث سرطان الكولون والثدي خصوصاً، ومن الأمثلة على الأغذية الغنية بالألياف البقوليات والبروكلي والجزر والبطاطا والبرتقال.

لذا يُنصح بتناول ما يعادل كوبين ونصف من الخضار والفواكه الغنية بالألياف يومياً. مع ضرورة التنويع بين هذه الأطعمة، وخاصة تلك الغنية بالكاروتين وفيتامين C والثوم والبصل. كما يُنصح بالاعتماد على الحبوب الكاملة وتقليل تناول الحبوب المكررة.

* الإقلال من تناول اللحوم الحمراء وتجنّب اللحوم المُصنّعة: أظهرت دراسة أن تناول 100 غرام من اللحم يومياً يزيد احتمال الإصابة بسرطان الكولون بـ17%. كما أن اللحوم المُصنّعة -أي المُدخّنة أو المُملّحة أو المضاف إليها مواد حافظة- تزيد من احتمال الإصابة بالسرطان بنسبة 18% لكل 50 غرام متناول يومياً، وذلك حسب نفس الدراسة.

لذا من الضروري تقليل تناول اللحوم الحمراء بحيث لا تتجاوز 500 غراماً في الأسبوع، وتجنّب اللحوم المُصنّعة. كما يمكن الاعتماد على البقوليات أو الأسماك كمصدر للبروتين.

* ممارسة الرياضة يومياً وتقليل وقت الجلوس: لا يقلل النشاط الفيزيائي من احتمال الإصابة بالسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية فحسب، بل يقلل أيضاً من احتمال الإصابة بالسرطان، وخاصةً سرطان الكولون وبطانة الرحم وسرطان الثدي. لذا ينصح بممارسة ما لا يقل عن 30-60 دقيقة من الرياضة المعتدلة "المشي السريع أو ركوب الدراجة"، بشكل يومي، أو 30 دقيقة من الرياضة الشديدة "كالجري والسباحة ولعب كرة القدم".

* تجنّب شرب الكحول: يزيد الكحول من احتمال الإصابة بالسكري والسرطان على حد سواء، وخاصةً سرطان الكولون والثدي والكبد وسرطانات الفم والبلعوم.

خلاصة الحديث أن العلاقة بين السكري والسرطان مثبتة، حيث يزيد السكري من احتمال الإصابة ببعض أنواع السرطانات، وعندما يترافق هذان المرضان الخطيران فإن احتمال الوفاة بسببهما يرتفع أيضاً. ولذلك فإن الإجراءات التي تهدف لإزالة عوامل الخطر السابقة ضرورية للوقاية من السرطان. فممارسة الرياضة بانتظام وتخفيف الوزن والكشف المبكر عن السرطانات ضروري خصوصاً في المرضى البدينين والمصابين بالسكري.