أيمن شكل - تصوير إبراهيم الرقيمي




أحمد الصايغ: 12 نوعاً من السيوف الخليجية منها 9 أنواع بحرينية


البحرين أكثر دولة في المنطقة العربية تميزت بصناعة الخناجر

كلما خف وزن السيف زاد سعره

من العيب حد السيف قبل تسليمه لصاحبه ويترك تلك المهمة لصاحب السيف

يحتوي نصل الخنجر على خطوط مفرغة وتسمى خطوط الدم والهواء

علامات في المقبض والنصل تمثل البطاقة التعريفية للسيف وصاحبه

السيف كان يمثل شعار العدالة وأتمنى أن يعود في المحاكم بدلاً من الميزان

كلما خف وزن السيف زاد سعره وبعض السيوف تصل لمليون دينار

ملكة إنجلترا تطلب السيوف البحرينية كهدايا في المناسبات


ومن السيوف ما قتل، لكن منها أيضاً ما هو فخر وهيبة .. ومن السيوف ما هو للديكور، لكن بعضها يتجاوز سعره نصف مليون دينار، وللسيوف أسرار ولصناعتها خبراء أصبحوا اليوم قليلين، ومنهم عائلة الصايغ التي يتصل تاريخهم مع حكام آل خليفة الكرام، منذ بداية عهدهم في الزبارة وشبه جزيرة قطر، وإلى انتقالهم معهم إلى البحرين وتوطنهم في المحرق.

وتمتد خبرة عائلة الصايغ في هذه الصنعة لما قبل 350 سنة حيث استطاعت أن تنفرد بها خليجياً وتصنع اليوم هدايا الملوك من السيوف والخناجر المطعمة بالذهب واللؤلؤ والماس، وتستخدم في صناعة بعضها السيوف الدمشقية نادرة الوجود والتي تباع في مزادات بمئات آلاف الدولارات.

التقت "الوطن" وريث الصنعة الشاب أحمد الصايغ الذي ورثها أباً عن جد، وتطرق في حديثه عن أسرار السيوف وأصول تداولها ودعا لاتخاذ السيف شعاراً للعدالة كما كان يستخدم قديماً عند الفصل في المنازعات، مؤكداً أن البحرين كانت رائدة صناعة السيوف على مستوى الخليج ولها 9 أنواع من بين 12 نوعاً معروفاً على مستوى المنطقة.

وفيما يلي نص المقابلة:

- نود التعرف على عائلة الصايغ وتخصصها في صناعة السيوف؟

نحن عائلة متخصصة في صناعة السيوف والخناجر منذ عشرات السنين، وتمركزت العائلة في جزيرة المحرق، واليوم نمتلك مصنعاً باسم "ديباج" وهو متخصص في صناعة السيوف والخناجر والهدايا الخاصة على مستوى عالمي.

والسيوف العربية تختلف عن السيوف الخليجية التي يمتد عمرها إلى 400 سنة ومشتقة من العربية، وتميزت باستخدام المعادن النفيسة في صناعتها بغرض الإهابة العسكرية للعدو، وكان أصحاب السيوف في تلك الفترة يتباهون بأن تكلفة السيف الواحد يمكن أن تصنع عشرات السيوف العادية وهو ما كان يعتبر بمثابة الحرب النفسية للأعداء.

نصنع الهدايا الفاخرة بحيث ألا يكون مستواها أقل من السيوف والخناجر الذهبية الفاخرة، ويعتبر زبائن المصنع هم المؤسسات الحكومية والمراسم الملكية في البحرين ودول الخليج باعتبارها هدايا ملكية يجب أن تكون فاخرة وتعبر عن الدولة.

وتعتبر البحرين أكثر دولة في المنطقة العربية تميزت بصناعة الخناجر حيث يوجد على مستوى الخليج العربي 12 نوعاً من الخناجر، منها 9 أنواع بحرينية وهو ما يعطي البحرين الريادة في تلك الصناعة تحديداً، ومن أبرز أسماء تلك الخناجر "المخمس" و"السعيدي" و"النجدي" و"العماني" وأيضاً اليابانية، ويتباين الاختلافات بين تلك الخناجر بصورة كبيرة وتظهر للمتخصصين فقط بينما قد يراها الإنسان العادي كلها متشابهة، إلا أن لكل خنجر خصائصه التي تميزه عن الآخر من حيث الانحناء وشكل الرأس ونوع النصل والصياغة والنقوش التي تزين الخنجر، وقد التزمنا في مصنع "ديباج" بعدم تغيير النمط التقليدي والمستخدم منذ القدم في النقوش، وكذلك طريقة الصناعة اليدوية التي كانت تستخدم منذ عشرات السنين هي ذاتها.

فعلى سبيل المثال فإن الخنجر السعيدي يختلف عن المخمس في شكل المقبض وهناك أيضاً اختلافات جذرية تحدد هوية الخنجر.

- ماذا عن العصي الموجودة في المعرض؟

العصي كانت تستخدم منذ عشرات السنين وتستخدم للزينة ويتم صناعتها من أخشاب مميزة، مثل الخيزران الذي يمثل المادة الأبرز في صناعة العصي، وكلما كانت السلاميات أقل في العصاة تكون أكثر تميزاً، فضلاً عن معايير أخرى تحدد جودة وندرة قطعة العصا.

- هل يمكن أن تشرح لنا تفاصيل مكونات السيف؟

يتميز السيف بأن كل قطعة فيه لها اسم معين، حيث يضم أكثر من 30 قطعة منفصلة ولكل منها ميزة واسم، فمثلاً القبضة تشتمل على أجزاء عديدة منها البريومة والسيلان والبرشق والطعوس، وكان الزبون سابقاً يأتي لنا كي يفصل سيفاً ويحدد فيه مواصفات كل قطعة من تلك القطع، فعلى سبيل المثال يطلب الزبون سيف "جبارة" على أن تكون البريومة مائلة والبرشق قصير وألا يحوي سيلان وأن يحتوي خمسة طعوس، فكانت السيوف تفصل أيضاً بحسب جسم الشخص والمسافة بين قبضته والأرض.

ولو رجعنا لما قبل 600 سنة فستجد أن أحجام الناس أكبر مما هي عليه اليوم، ويظهر عادة في السيوف الأثرية من حيث حجم القبضة وطول السيف، وغيرها من المواصفات الأخرى، وذلك لأنها كانت لا تباع في معرض وإنما يتم تفصيل السيف لكل شخص، أم اليوم فربما يحتاج شخص اقتناء سيف لا يناسب حجمه ولكن لمجرد استنساخ سيف أجداده.

ومن بين التفاصيل المهمة في صناعة السيوف هي قطعة البريومة التي تعتبر بمثابة المثقال الذي يوازن بين وزن المسافة قبل نصل السيف ويد مستخدمه حتى لا يتسبب حمل السيف لمدة طويلة بعبء على المحارب ويكون خفيفاً ومتوازناً، ولموازنة السيف بين القطعتين، يتم شحن البريومة بالرصاص، كما أن الطعوس الموجودة على مقبض السيف لا تمثل زينة في السيف، أو وسيلة لعدم انزلاقه في يد المحارب، وإنما كانت تعتبر في مقام الرتبة العسكرية لصاحب السيف، وكان يعرف رتبة حامل السيف من عدد الطعوس وأشكالها على المقبض.

- هل يمكن أن يحمل المقاتل أكثر من سيف؟

قديماً كان الفارس يستخدم أكثر من سيف عند القتال، ويكون لكل وضعية السيف الخاص بها، حيث يختلف السيف المستخدم في القتال أثناء ركوب الخيل، عن السيف المستخدم على أرض المعركة والمواجهة المباشرة، من حيث شكل النصل وطوله مقارنة مع طول الفارس، فيكون المستخدم أثناء ركوب الخيل أطول وأكثر انحناء، بينما المستخدم على الأرض لا يتجاوز مسافة قبضة المحارب عند الإمساك بالسيف إلى أن يلمس الأرض، وحتى لا يمثل احتكاكه بالأرض عائقاً في القتال، ويكون مناسباً فقط لإصابة العدو بأريحية أكثر وبأقل مجهود من المقاتل.

كذلك يمثل انحناء السيف المستخدم على الحصان، وقاية من رد الفعل عند استخدامه لإصابة العدو، فإذا كان النصل مستقيماً فسيتسبب بارتداد قوة الضربة والذي يمكن أن يوقع الفارس من فوق حصانه.

- هل يمكن تمييز صاحب السيف من مواصفاته وتفاصيله؟

تمثل التفاصيل الموجودة في قبض السيف وعند بداية النصل، البطاقة التعريفية للسيف وصاحبه وربما قبيلته أيضاً.

- كيف يمكن تمييز السيف الأصلي من العادي؟

هناك قواعد لصناعة السيف ويتم إجراء اختبارات التوازن بين أجزائه، ففي السيف الأصلي تمثل منطقة بداية انحناء السيف، منتصف وزنه، كما أن السيف الأصلي يقف على نصله متزناً ولا يميل أو ينزل إلى أحد الجانبين، وهذه الميزة لا يمكن أن تجدها إلا في السيوف الأصلية وتحتاج لمهارة عالية من الصانع لكي يجعل وزن السيف مقسوماً عند نصله بأدق معايير تحديد الوزن، وهذه من أسرار صناعة السيوف.

كما يجب أن يكون السيف الأصلي خفيفاً يمكن للفارس أن يحمله لفترات طويلة دون أن يمثل له عبئاً بسبب حمله خاصة وأن الحروب قديماً كانت تستمر على مدار أيام لا يتوقف فيها القتال، ولذلك كلما خف وزن السيف زاد سعره.

- هل كان للسيف استخدامات أخرى غير القتال والزينة؟

السيف كان يمثل شعار العدالة والفصل في المنازعات بين الأفراد والقبائل، وكان القاضي قديماً يضع سيفه أمام المتقاضين بطريقة بحيث يكون خارجاً عن غمده قليلاً، وفي حال صدور الحكم ولم يرتضيه أحد المتنازعين، فيقوم بإغلاق السيف داخل غمده، وهو بذلك يبلغ القاضي بأنه لم يعجبه الحكم إلا أنه سيقوم بتنفيذه، أما في حال قام بإخراج السيف من غمده بالكامل، فهذا يعني أنه لا يرتضي الحكم ولن ينفذه، وفي حال رضاء الأطراف بالحكم لا يلمس أحدهم السيف، إلى أن يقوم القاضي بإرجاعه إلى غمده معلناً نهاية الجلسة وقبول الأطراف لحكمه.

وأتمنى أن نعود لاستخدام هذا الشعار في محاكم البحرين باعتباره إرثاً حضارياً لا ينبغي التفريط فيه، وليكون بديلاً عن ميزان العدالة المستخدم في كل دول العالم تقريباً، لأن شعار السيف يميز البحرين عن باقي الدول.

- هل هناك طقوس لتقديم السيف وطريقة الإمساك به؟

بالفعل فإن تقديم السيف لصاحبه أو لشخص يجب أن يكون باستخدام اليد اليسرى وليس اليمنى، ولا يمسك إلا باليد اليسرى في المناسبات وبعيداً عن مواقع النزال والحروب، كما أن وضع السيف في غمده يكون من بداية الثلث الأول للغمد وهو خطأ شائع لمن يحاول إغماد السيف بأن يحاول إدخاله من بداية الغمد بينما الصحيح هو عند منطقة محددة في الثلث الأول من الغمد. وكان من العيب أن يتم حد السيف قبل تسليمه لصاحبه، بل يحرص الصانع أن يقدم السيف غير مسنون، ويترك تلك المهمة لصاحب السيف، وهناك طقوس كذلك لسن السيف.

- كيف ترى الدول الأجنبية أهمية السيف البحريني؟

عادة نشارك في فعاليات دولية بمجموعة من السيوف التاريخية والتي تتميز بفخامتها واحتوائها على قطع من الذهب الخالص، ونقوم بتعريف الزوار الأجانب بأهمية السيف لدى دول الخليج حيث يمثل السيف بديلاً عن التاج الذي يعبر عن دول وممالك أخرى. ونفخر بأننا نصنع السيوف التي تهديها ملكة إنجلترا للفائزين بسباقات الخيل، حيث تفضل الملكة إليزابيث السيوف البحرينية كجوائز فاخرة للمناسبات أيضاً.

كما أن العرب كانوا أول من ابتكر الاستعراض العسكري في العالم، ونقلته باقي دول العالم بصيغ مختلفة، وكانت فكرة الاستعراض العسكري مستوحاة من العرضة الخليجية والسيوف التي يحملها المحاربون.

وكان الاستعراض العسكري من الفخامة بحيث يمكن أن تتجاوز تكلفته معركة حربية، ولكن يعود السبب في ذلك بأنه يمثل إهابة للعدو وردع يمكن أن يجعل العدو يفكر أكثر من مرة في محاربة صاحب هذه القوة العسكرية الظاهرة في الاستعراض.

وتعتبر العرضة بمثابة تحفيز المقاتلين لدخول الحرب والتجهيز للعتاد والتجييش لرفع معنويات الجنود، وكانت العرضة قديماً بالخيل أو بالمشي، واختصرت حالياً على المشي فقط أو الاستعراض في نفس المكان.

- كم تبلغ أسعار السيوف الأصلية والمزينة بالذهب واللؤلؤ؟

يختلف سعر السيف بحسب ما تحتويه من تفاصيل سواء في المواد المستخدمة لصناعتها أو بحسب الحرفة اليدوية وما تتضمنه من مدخلات، وربما يصل أسعار بعض القطع إلى مليون دينار، لكن يمكن أن أعرض عليك سيفاً حاليا يبلغ سعره 200 ألف دينار، وهو مطعم بالذهب واللؤلؤ البحريني الطبيعي، كما أن بعض السيوف ترتفع أسعارها بسبب نوع النصل وعمره، فهناك سيوف دمشقية قديمة تعود إلى قرابة 600 سنة ويقام عليها مزادات عالمية ومنها قطع تتجاوز أسعارها نصف مليون دينار، ولدينا في المعرض قطعة تم شراؤها من خلال مزاد بمبلغ 90 ألف دينار، وعمرها 400 سنة ومختومة وتسمى قطعة عذراء لأنها لسيف لم يدخل حرباً، ومعرضنا يعتبر أكبر مخزن للسيوف القديمة.

- ما السر في ارتفاع أسعار السيوف الدمشقية أو ما يطلق عليه "الجوهر"؟

هذه السيوف تعتبر تاريخية ونادرة، كما أنها مصنوعة من خلطة حديد غير معروفة حتى الآن، وتم دمجها بالطرق، كما أن الاختلافات بين أنواع الحديد تكون في قابليتها للأكسدة وزمن التفاعل، فمنها سريع الأكسدة الذي ينتج مرونة في السيف، وبطيء الأكسدة الذي يسبب القساوة أو الصلابة، وتتسبب الأكسدة في مضاعفة قوة السم الذي يضعه المقاتل على النصل بهدف قتل أعدائه، فيكون السيف الدمشقي شديد السمية وقاتلاً بأقل جرح يحدثه في العدو. ويعود سبب اندثار هذه النوعية من الحديد الدمشقي إلى كونه سراً عسكرياً كانت تختص به عائلات في سوريا القديمة، وهؤلاء تم حبسهم في قلاع حتى لا يتم إفشاء السر، وبسبب معاناتهم من تلك الحرفة، قرروا ألا ينقلوا أسرارها للأبناء والأحفاد خوفاً عليهم من أن يسجنوا مثلهم.

- هل الخناجر أيضاً تتصف بصفات مميزة؟

يحتوي نصل الخنجر على خطوط مفرغة وتسمى خطوط الدم والهواء، بحيث لو تم طعن شخص بها تتسبب هذه الخطوط والفراغات في إدخال الهواء من جانب وإخراج الدماء من الجانب الآخر، وفي الغالب يوضع ختم صانع الخنجر في موقع نزول الدم حتى يترك انطباعاً على النصل لا يمحى على مر السنين، وهذا من الإرث القديم في صناعة الخناجر.