حسن الستري




تثير المادة 353 من قانون العقوبات جدلاً بين النواب والحكومة والجمعيات النسائية والحقوقية، كونها تسقط العقوبة عن الجاني المغتصب إذا تزوج الضحية، الأمر الذي دفع النواب السابقين إلى التقدم باقتراح لإلغائها وسط تأييد نسائي، وتحفظ حكومي وحقوقي.

وينص قانون العقوبات البحريني على عقوبات تصل إلى المؤبد والإعدام في بعض حالات الاغتصاب، لكن المادة 353 تعفي المغتصب من العقوبة حال زواجه الضحية، إذ تنص على «وللمحكمة ألا تحكم بعقوبة ما على من ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المواد السابقة إذا عقد زواجاً صحيحاً بينه وبين المجني عليها. فإذا كان قد صدر عليه حكم نهائي قبل عقد الزواج يوقف تنفيذه وتنتهي آثاره الجنائية».


ووافق مجلس النواب على اقتراح بقانون بإلغاء المادة من قانون العقوبات في منتصف العام 2016. وقرر مجلس الوزراء إعادة الاقتراح لمجلس النواب على هيئة مشروع بقانون في 7 نوفمبر 2016، ومازال في أروقة لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني في المجلس.

وكانت اللجنة وافقت في الفصل السابق على إلغاء المادة، ثم تراجعت عن قرارها، وأوصت في تقرير آخر بالاكتفاء بتعديل على المادة يعطي السلطة التقديرية للقاضي، وفقاً لكل حالة على حدة.

ودعت الحكومة مجلس النواب لإعادة النظر في مشروع قانون اقترحه المجلس بحذف المادة 353، طالبة منهم تعديل المادة بإضافة جملة تنص على أن المادة لا تشمل حال تعدد الجناة.

وبينت الحكومة في تعليقها على المشروع أن «المادة 353 جاءت لصون شرف الأسرة ودرء ما قد يمس شرف العائلة من أقاويل تؤثر في نظرة المجتمع للمجني عليها ولأسرتها، خاصة إذا تمت مواقعة الأنثى المجني عليها برضاها وحملت من الجاني، وأيضاً حفاظاً على حق الطفل في النسب والهوية وهي حقوق أصيلة نصت عليها اتفاقية حقوق الطفل، فضلاً عن أن هذه المادة قد جاءت كذلك للتأكيد على مبدأ الردع حال عدم قبول المجني عليها بالزواج بالجاني».

وذكرت الحكومة حينها أن «المادة بوضعها الحالي تنتج إشكالية عملية حال تعدد الجناة، إذ كيف وعلى أي أساس يتم اختيار أحد الجناة من قبل المجني عليها للزواج به، كما أنه من غير المتصور أن تسقط العقوبة عن أحدهم بسبب زواجه من المجني عليها زواجاً صحيحاً في حين يحكم على باقي الجناة بالعقوبة رغم انقضاء أثرها بالزواج من أحد الجناة، ومن ثم فإنه يمكن تفادي ذلك بتعديل المادة كي لا يكون زواج أحد الجناة مانعاً من عقاب الآخرين، ليكون نص المادة بعد التعديل».

وخلصت الحكومة الى أن «النص الحالي للمادة وما سبقه من عقوبات يرسخ المبادئ المنصوص عليها في الدستور البحريني للأسرة ولا يخالف المبادئ المنصوص عليها في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة «السيداو» ويحقق الأهداف الأساسية للتجريم، ولا يخل بسياسة العقاب من ردع خاص وعام، فالإبقاء على النص المذكور أولى لتحقيق المصلحة المستهدفة منه مع تعديله بإضافة العبارة المذكورة، وبذلك يتحقق الغرض الذي ابتغاه المشرع البحريني من هذه المادة وهو الحفاظ على كيان الأسرة في المجتمع البحريني، وليظل أمر تقدير الاستمرار في الشكوى من عدمه في هذه الحالة بيد المجني عليها وحدها باعتبارها المتضررة والأولى بالرعاية والاهتمام على ما ترغب هي فيه وليس على ما يملي عليها غيرها».

فيما أوضح ممثلو وزارة الداخلية أن «قانون العقوبات منذ إقراره والعمل به في العام 1976 حتى الآن قانون مترابط في بنوده والتغيير فيه من غير أن تكون هناك مصلحة واضحة لا مبرر له، والإبقاء على المادة هو الأصوب، فمتى ما واقع شخص أنثى في ظل هذه المادة فإن الزواج منها لا يكون إلزامياً إلا بموافقة المجني عليها ووليها، الأمر الذي يؤكد عدم الحاجة لإلغاء المادة 353 من قانون العقوبات لأن زواج المجني عليها هو في حقيقته ميزة للمرأة وليس تمييزاً ضدها، ومن شأن عقد قران الجاني بالمجني عليها برضاها ورضا وليها تقليل الضرر الواقع عليها، لأنه في حال الاغتصاب سينتج عن هذه الجريمة عواقب كفض البكارة بالإضافة إلى الحمل، وقد ترغب الأنثى أو ولي أمرها في تقليل الخسائر بعقد شرعي لتقليل الأضرار الناتجة جراء ذلك، وهذه المادة وُضعت لدفع الضرر عنها، ومن خلال تتبع الكثير من الوقائع في هذه الجرائم ثبت أن جدوى الإبقاء عليها أفضل من إلغائها وهي تصب في مصلحة المجني عليها إذا ارتضت ذلك».

وكذلك استحسنت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان الإبقاء على المادة كما وردت في أصل القانون، «ما دام عقد الزواج المبرم بين الجاني والمرأة المجني عليها قد تحقق بكامل رضاها التام ومن دون إكراه، فضلاً عن أن ذات المادة قد استلزمت لعدم إيقاع العقوبة المقررة على الجاني ضرورة إبرام عقد زواج صحيح مكتمل الأركان والشروط بين الطرفين، وهو الأمر الذي ينسجم والغايات التي أرادها المشرع من هذه المادة.»

في حين أيد المجلس الأعلى للمرأة إلغاء المادة مستدلاً بأن مؤسسات المجتمع المدني المعنية تعتبرها وسيلة سهلة يمكن للجاني استخدامها للتملص من العقوبة أو الملاحقة الجنائية حيث تمنح له هذه الإمكانية بمجرد أن عقد زواجاً بالضحية، وترى هذه المؤسسات أن القانون قد تحول إلى أداة عقاب إضافية للضحية بدل أن يحميها، فيما منح المعتدي إفلاتاً من العقاب «لتكرمه» بقبول الزواج من المعتدى عليها.

وقال المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية إنه لا يرى مانعاً من إلغاء المادة.