أكد مختصون ورجال أعمال أهمية الاقتصاد الإبداعي والصناعات الابتكارية على خارطة العمل الاقتصادي في مملكة البحرين، مشيرين إلى توجه الاستراتيجيات الوطنية لترسيخ مفهوم الابداع من جهة وتثبيت العمل وفق أسس اقتصاد المعرفة الذي يأتي كهدف رئيسي ضمن الرؤية الاقتصادية 2030.

وقالوا بمناسبة اليوم العالمي للإبداع والابتكار الذي يصادف 21 أبريل إن مملكة البحرين تزخر بمبادرات ومشاريع استثنائية تعتبر نموذجاً متطوراً ومتقدماً ليس على المستوى المحلي فقط بل على المستوى العالمي، فالبحرين زاخرة بقدرة شبابها على المنافسة العالمية، وهو ما يأتي تحقيقا لرؤى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدّى حفظه الله ورعاه، وتوجيهات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، لتنمية الاقتصاد الوطني وخلق المزيد من الفرص النوعية للمواطنين، وبما يسهم في زيادة تنافسية مملكة البحرين وجذب الاستثمارات التي يعود أثرها بالنفع على الوطن والمواطنين.



وأكد الدكتور جاسم حاجي الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي وجود مبادرات نوعية كثيرة في مجال الاقتصاد الإبداعي والصناعات الابتكارية في مملكة البحرين مثل مجالات الإعلان والهندسة المعمارية والفنون والحرف اليدوية والتصميم والأزياء، وكذلك الفيديو والتصوير والموسيقى والفنون المسرحية والنشر، وقال "لا ننسى هنا بالتأكيد البحث والتطوير والبرمجيات وألعاب الكومبيوتر والنشر الإلكتروني والتلفزيون والراديو، كما يشمل الاقتصاد الإبداعي وظائف في التصوير الفوتوغرافي، وتصميم الجرافيك، وصناعة الأفلام والفنون والتحف، والحرف اليدوية والبرامج الترفيهية التفاعلية، والموسيقى".

وأضاف أن كيفية الاستفادة بهذا النوع من الاقتصاد، باعتباره "غير رسمي"، في "الاقتصاد الرسمي" للدول يعتبر من الأهمية بمكان، ويشمل "الاقتصاد الإبداعي" أيضاً مجالات بناء المدن والمناطق الحضارية، إذ أن إنشاء بيئة حضرية تمكّن وتحفز المعرفة والابتكار والإبداع أمر مهم ومؤثر للغاية.

وبين أنه تماشياً مع رؤية البحرين 2030 فإن الاهتمام بالاقتصاد الإبداعي والاستفادة من المناخ الاقتصادي والتقدم التكنولوجي والدعم الحكومي يدعم بقوة هذا التخصص مع ضرورة تقوية وتعزيز البنى التحتية المتعلقة بهذا التخصص مثل إطلاق قدرات التعليم، وإعادة ابتكار العمل، والتحول التكنولوجي والذكاء الاصطناعي وتعزيز المشهد الإعلامي وقنوات التواصل، والمستقبل المستدام، والاهتمام برأس المال البشري.

وأضاف "في عام 2019، وأثناء انعقاد الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، تم إعلان 2021 عاماً لـ«الاقتصاد الإبداعي» من أجل الوصول إلى التنمية المستدامة في العالم.. ويعتبر هذا الإعلان اعترافاً بأن «الاقتصاد الإبداعي» يأتي في مقدمة الحلول التي من المفترض أن يلجأ إليها العالم لمواجهة التحديات والصعوبات، وقد أصبح الاستعانة بـ«الاقتصاد الإبداعي» في منطقتنا العربية ضرورة لتسريع معدلات النمو، والقفز إلى مستقبل أفضل، لأنه أحد أسرع قطاعات الاقتصاد العالمي نمواً، وفقاً لتقرير أصدره «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية» (الأونكتاد) في 2018، وبلغ متوسط معدل النمو السنوي للسلع الإبداعية بين عامي 2013 و2015 نحو 7.34 في المائة، بينما زادت الصادرات العالمية للسلع الإبداعية من 208 مليارات دولار في عام 2002 إلى 509 دولارات في عام 2015، أي أكثر من الضعف خلال 13 عاماً".

وقال إن حكومة مملكة البحرين تبنت ضمن برنامج عملها مجموعة من المبادرات لدعم الابتكار والتحول الإلكتروني، وانعكاسًا لهذا التوجه، عملت على تأهيل الكفاءات الوطنية، وتأسيس الحاضنات العلمية، وتخصيص ميزانيات عبر (تمكين) لدعم المشاريع الشبابية الطموحة، وتعزيز المبادرات في إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المعنية بتقنية المعلومات، إلى جانب استقطابها لكبرى الشركات العالمية العاملة في مجال تقنية المعلومات كشركة (أمازون ويب سيرفسس).

واستشهد الدكتور جاسم حاجي بمثال على التوجه الإبداعي، حيث شاركت معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار في الاجتماع الوزاري ضمن المؤتمر العالمي للاقتصاد الإبداعي في مركز دبي للمعارض ضمن فعاليات إكسبو 2020 دبي، وحمل شعار "إبداع متكامل: يصنع المستقبل" ونظمته وزارة الثقافة والشباب بالإمارات، وذكرت أن الاقتصاد الإبداعي اليوم يساهم في بناء الفرص التنموية الواعدة، وأن مملكة البحرين من خلال جهود هيئة البحرين للثقافة والآثار تعمل على توفير الأرضية من أجل تعزيز مكانة المبدعين في كافة المجالات، ففي مدينة المحرّق تعاونت كافة الأطراف من مؤسسات القطاع العام والخاص والمؤسسات الأهلية من أجل استعادة الروح الحضارية الأصيلة لهذه المدينة، إلى جانب مشروع موقع مسار اللؤلؤ المسجل على قائمة التراث العالمي الذي يعد من أهم المشاريع التي استثمرت الثقافة والتراث المادي وغير المادي من أجل الارتقاء بمستوى المجتمع المحلي وتوفير الفرص التنموية للعاملين في مجالات الحرف والموسيقى الشعبية والتراث وغيرها.

من جانبه أكد الخبير الاقتصادي الدكتور أكبر جعفري أن وضع مملكة البحرين حسب المؤشرات الأممية يعتبر وضعا معتدلاً ومتزناً، ففي الربع الأول أو الثلث الأول، احتلت البحرين المرتبة 34 من بين 200 دولة، سبقها المرتبة 37 من 200 دولة، وهي مراتب جيدة، ولكن لابد من رفع سقف الطموح بما يتناسب مع مضامين وتوجيهات الخطة الاقتصادي 2030.

وقال د. جعفري إنه في الوقت الذي نصل فيه لمراحل متقدمة نسبياً، لا نزال بعيدين عن طموحاتنا الكبيرة، فالحديث عن الاقتصاد الإبداعي والصناعات الابتكارية، ليس سوى رؤية ديناميكية محورها المواطن، وهو توجه حاذق جدا وبحاجة إلى تفعيل الطاقات في هذا المجال، وبشكل متسارع ومتصاعد لنصل إلى المستويات المرجوة، فهناك مبادرات واعدة تتعلق بالمنتجات السمعية والبصرية، والتصميم والإعلام الجديد والفنون الجميلة والنشر والفن المرئي، وهو قطاع تحويلي هائل لاقتصاد العالم فيما يتصل بالكسب وإيجاد فرص العمل ونقل المكاسب، مبينا أن كل ذلك تأتي الثقافة كعنصر أساسي في التنمية المستدامة.

وأضاف أن مملكة البحرين تتخطى المرحلة الصعبة بسبب نجاح تصميم الحكومة لاستراتيجيات وإيجاد أدوات مكنت من تحقيق ذلك، فقد كان هناك تصور لاستراتيجيات استباقية دائماً، كما كان هناك استراتيجيات مضادة إضافة إلى تعافي أسعار النفط التي تساعد كثيراً في هذه المرحلة الحرجة وتسهل من سرعة التعافي، فنحن على وشك الانتهاء من مرحلة التعافي، وعلينا التوجه لحل مشاكل اللوجستيات والتخزين وزيادة الإنتاج، وفي ظل كل ذلك نحن نسير في الاتجاه الصحيح.

وأوضح الدكتور يوسف محمد المتخصص في الابتكار الاجتماعي أن الابتكار في مملكة البحرين موجود ويتجاوز المائة عام وإن اختلفت المسميات التي كانت تصنف في ذلك، "ولو رجعنا للآليات والغرض والهدف لوجدنا بأن ما تحقق في تلك الفترة هو ما يسمى الآن ابتكار وهذا يعكس ما تتمتع به البحرين وأهلها من فكر ابتكاري وسمات المبتكرين".

وقال إن رحلة الابتكار يجب أن تنتقل الآن في هذه المرحلة من الحالة النمطية إلى مرحلة جديدة تهدف إلى تشجيع الإبداع وتعزيز سمات المبتكرين والبيئة الجاذبة لهم، وذلك من خلال تطوير مناهج التعليم وتعزيز دور المدرسة والجامعات ومؤسسات التعليم العالي وتشجيع مراكز البحث العلمي ومجالات التعليم التطبيقي وتعزيز ثقافة الأسرة الحاضنة للإبداع والمشجعة للابتكار.

وثمن الدكتور يوسف محمد الجهود الرامية التي توليها حكومة البحرين في بناء اقتصاد قائم على المعرفة وتشجيع الأجيال القادمة بما لديها من مواهب وابتكار بكافة أنواعه وأشكاله، ليؤكد اهتمام مملكة البحرين في التطبيق الناجح للأفكار الإبداعية، وبالدور الذي يلعبه الابتكار تنفيذاً لرؤية البحرين 2030 التي تأتي في إطار المسيرة التنموية الشاملة لحضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المفدى وبرامج الحكومة.

وأوضح د. يوسف أن مملكة البحرين تبنت سياسات واضحة وراسخة لتشجيع ثقافة الابتكار منها مبادرة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في إطلاق مسابقة الابتكار الحكومي «فكرة» كتأكيد للدور المحوري للابتكار والإبداع في تعزيز التنافسية وتحقيق الاستدامة من أجل تطوير الأداء بكافة مواقع العمل الحكومي خدمة للوطن والمواطنين.

من جانبه أكد رائد الأعمال يونس عطية أن مملكة البحرين تولي اهتماماً كبيراً من مختلف مؤسساتها في إيجاد حلول ابتكارية ووضع استراتيجيات تطويرية تتناسب مع المتغيرات العالمية ودخول العالم في الثورة الصناعية الرابعة التي يعتبر الابتكار والثورة الرقمية أحد أهم أعمدتها، واهتمام مملكة البحرين يصب في مجملها في تحقيق الرؤية التنموية الشاملة التي يقودها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، فالبحرين من أولى الدول التي سعت إلى بناء بنية تحتية تدعم الإبتكار وإرساء متطلبات مجتمع المعرفة، كما تمكنت مملكة البحرين من إيجاد قاعدة تشريعية وفنية لتوطين التكنولوجيا المالية والمعلوماتية الذكية، وتسعى لتحويل بيئتها الاقتصادية إلى بيئة ذكية تعتمد المنتجات والخدمات التقنية المعاصرة، وهذا ما شهدناه عبر دعم المؤسسات والشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية التي قدمت تحولاً كبيراً على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والتنموي.

وقال إن "شركة "لايم فيش" وضعت مفهوماً جديداً ومبتكراً لكيفية أداء عمل الوكالات الابداعية، وبما أن خدماتنا تتمحور حول تقديم حلول إبداعية بصرية لعملائنا، كان من الأولى أن نولي اهتمام بوضع استراتيجيات ادارية مبتكرة لفريق عملنا، وذلك عبر بناء بيئة عمل مبتكرة، فاستغلال البرمجيات الحديثة والتشغيل الآلي للعمليات التي نقوم بها، أدى إلى زيادة كفاءة العمل، فأصبحنا أول شركة تعتمد سياسة العمل المعتمدة على أربعة أيام عمل أسبوعياً، ونفخر بكوننا أحد الشركات التي تساهم في الترويج للابتكار في العمل والاقتصاد الابتكاري، ونواصل دعمنا لعملائنا وبالأخص الشركات الناشئة التي تقدم خدمات وصناعات ابتكارية وذلك عبر تقديم عروض تشجيعية وخدمات استشارية تهدف إلى تحقيق النجاح الاقتصادي لتلك الشركات".

وأكد محمد المحرقي رائد أعمال، اعتماد جميع الأعمال مهما كانت بسيطة أو معقدة على عنصر الإبداع، سواء كان إبداعاً في الفكر أو الاقتصاد أو نوعية العمل، وعليه فإن الإبداع أصبح ضرورة في كل مجال وفي كل مهنة ووظيفة، فبحكم تنافس الأسواق لابد من مواكبة الإبداع ليكون خلاقاً، ولابد من الاستفادة من تجارب الدول الاسكندنافية التي شهدت تراجعا في معدلات الإبداع لديها والسبب شعورها بالأمان خلال العشر سنوات الماضية.

ولفت المحرقي إلى أن الاقتصاد الابتكاري في مملكة البحرين له وجهان، الأول يتعلق بنجاحه في مواجهة التحديات بالحلول الابتكارية، فمن المهم عدم انتظار الحلول من الحكومات بل أن تكون هناك مبادرات من الناس والشركات والمؤسسات أنفسهم، أما الوجه الأخر فيتعلق بأن الإبداع أصبح أشبه بالسلعة التي يتم استخدامها والترويج لها في وقت ما، إضافة الى استنساخ التجارب دون وجود حقوق ابتكار.

وقال المحرقي إنه ومن خلال عمله كرائد أعمال استطاع الوصول إلى مشروع فريد من نوعه في مجال الألعاب الالكترونية، فبعد اطلاعه على التجارب العالمية اخترع تصميماً جديداً جذب أنظار كبرى الشركات العالمية، فمنذ عام 2008 حتى اليوم يعمل على التغيير والتجديد والابتكار، وهي مسئولية الشباب الذي ينتظر في مقابل ابتكاراته القدرة على أخذ القروض والانتفاع بالبطاقات الائتمانية، فنحن نتحدث عن حياة كاملة لمن يعمل في هذا المجال، وأيضا تسهيل إجراءاته ، فالشباب اليوم بحاجة إلى أدوات تمكنه وتساعده على التحليق في عالم الابتكار دون خوف أو توجس من المستقبل، والحصول على بيئة حاضنة ومتكاملة لهم.

يذكر أنه لا يوجد تعريف واحد للاقتصاد الإبداعي، لأنه مفهوم متطور يبني على التفاعل بين الإبداع الإنساني والأفكار والملكية الفكرية والمعرفة والتقنية، فالأنشطة الاقتصادية القائمة على المعرفة هي أساسًا التي تقوم عليها الصناعات الإبداعية.

والاقتصاد الإبداعي يتعلق المنتجات السمعية والبصرية، والتصميم والإعلام الجديد والفنون الجميلة والنشر والفن المرئي، وهو قطاع تحويلي هائل لاقتصاد العالم فيما يتصل بالكسب وإيجاد فرص العمل ونقل المكاسب.

وتأتي الثقافة كعنصر أساسي في التنمية المستدامة ومنزعا للهوية والإبداع والابتكار للأفراد والمجتمعات على السواء، فضلا عن ذلك، فللإبداع والثقافة قيمة معنوية ثمينة تسهم في شمول التنمية المجتمعية للحوار بين الشعوب.

وتعد الصناعات الإبداعية اليوم من بين أكثر القطاعات دينامية في الاقتصاد العالمي، حيث تتيح فرصاً جديدة للبلدان النامية للوثب إلى مراكز النمو الناشئة المرتفعة في الاقتصاد العالمي.

وأشار تقرير يونسكو المعنون (إعادة صياغة السياسات من أجل منح المبدعين قدراً كافياً من الحماية) إلى تسبب الجائحة في فقدان 10 ملايين فرصة عمل في الصناعات الإبداعية خلال عام 2020، كما أشار إلى تراجع إجمالي القيمة المضافة العالمية للصناعات الثقافية والإبداعية بمقدار 750 مليار دولار أمريكي في عام 2020، وقد تراجعت إيرادات هذه الصناعات بنسبة تتراوح بين 20% و40% في البلدان التي تتوافر بيانات عنها.

وأثبتت الجائحة القيمة الجوهرية للقطاع الثقافي والإبداعي في بثِّ التماسك الاجتماعي وتوفير الموارد التعليمية أو تحقيق الرفاه الشخصي في أوقات الأزمات، ولكنها قوَّضت قدرة هذا القطاع على تحقيق النمو الاقتصادي، التي لا تُعطى حقَّ قدرها في كثير من الأحيان.

وبيَّنت هذه الأزمة أيضاً التحديات الكبيرة التي ينبغي التصدي لها بغية ضمان الحفاظ على تنوع أشكال التعبير الثقافي في العالم، بما يتماشى مع اتفاقية اليونسكو لعام 2005 بشأن حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي.