أيمن شكل

التعليم في حياة الدكتور شمسان المناعي يمثل محور حياته، فمنذ بداياته طالباً في مدرسة بسيطة بمنطقة قلالي ومروراً بفيضان المياه أثناء تواجده في المدرسة، ثم انتقاله للدراسة في أعرق مدارس المحرق، ودراسته الجامعية في الكويت والتقائه بشخصيات رافقته في السكن كان أبرزهم رئيس المحكمة الدستورية ووزير التربية والتعليم، عاد مرة أخرى ليعمل معلماً في مدارس عدة، وليرتقي بعد ذلك في العلم حتى وصل إلى التدريس بجامعة البحرين.

واستذكر المناعي ضمن مسيرته التي تحدث فيها إلى "الوطن" تاريخ أجداده الذين كانوا يقطنون قرية "بظلوف" في شبه جزيرة قطر والمسجد الذي بناه بن هندي المناعي في تلك القرية وتولي جده الإمامة في ذلك المسجد ثم قراره الانتقال إلى البحرين والاستقرار في قرية قلالي التي عرفت بهذا الاسم لقلة سكانها.



حدثنا عن أصول عائلة المناعي التاريخية؟

- أصولي ممتدة إلى منطقة نجد حيث انتقلت العائلة منها إلى قطر وكان جدي الإمام حسين المطوع من قبيلة المنانعة وكان إمام المسجد الوحيد في قرية بظلوف الذي بناه بن هندي المناعي وأطلق على المسجد نفس الاسم، وقد تزوج جدي إحدى بنات الشيخ فرج الذي هاجر فيما بعد إلى البحرين حين كانت دولة لها توابعها، ومن ضمنها قطر لأنه لم يكن فيها سكان كثيرون خلال تلك الفترة، إلا عدد من القبائل التابعة لحكم آل خليفة، وترجع هجرة بعض أهالي القبائل إلى أن البحرين كانت في ذلك الوقت تعتبر مركزاً اقتصادياً وثقافياً متطوراً عن شبه جزيرة قطر، باعتبارها ميناء تجارياً تأتيه السفن من الهند، وتصدر منه تجارة اللؤلؤ، ويأتيها الغواويص من كافة مناطق شبه الجزيرة العربية للعمل فيها.

وكان لجدي النوخذة 3 بوانيش للصيد ويأتيه الغواصون من الأحساء ليسكنوا في بيته الكبير خلال موسم الغوص، وذلك لأن عددهم يتراوح ما بين 30 إلى 40 صياداً، يقيمون فترة في بيته، ثم يتوجهون إلى البحر لفترات طويلة بحثاً عن اللؤلؤ، وظل هؤلاء الغواصون يزوروننا بعد وفاة جدي وفاء لفترة العمل معه.

متى وأين ولدت؟

- أنا ولدت عام 1962 في قرية قلالي التي سميت بهذا الاسم لقلة سكانها حيث كانت تقع في أقصى شرق البحرين وبحرها عميق، ولذلك كانت موئلاً للصيادين، وقد كان والدي من كبار النواخذة في القرية التي كان نصف سكانها تقريباً من عائلة المناعي، فزاد ذلك من تعلقي بالبحر.

ما هي ذكرياتك مع الدراسة؟

- لم يكن في قرية قلالي مدرسة ابتدائية فكان الطلبة يذهبون لمدرسة في سماهيج سيراً على الأقدام، حتى تم إنشاء مدرسة وتقرر تحويل الطلبة من سماهيج إلى قلالي، فذهب مدير المدرسة الأستاذ أحمد المحميد إلى سماهيج وتسلم قائمة الأسماء واصطحب الطلبة في طابور إلى قلالي، وكأنه عرس المدير، وللصدفة فقد افتتحت المدرسة في نفس السن القانوني الذي يسمح لي بدخولها، وفي نفس السنة التي تولى فيها المغفور له بإذن الله تعالى الأمير عيسى مقاليد حكم البلاد.

هل حدث فيضان في قلالي وكيف تعاملتم معه؟

- أذكر حين كنت في الصف الرابع الابتدائي حدث فيضان لمياه البحر، وفي تلك اللحظة كنا نجلس بإحدى غرف المدرسة التي كانت قريبة من البحر ولم يكن لها سور إسمنتي، وإنما شبكة من الحديد استطاعت المياه أن تتجاوزها وتدخل إلى الصفوف الدراسية، وحينها ارتفعت المياه حتى وصلت إلى مستوى صدري، هرع مدير المدرسة إلى الطلبة وطلب منهم سرعة مغادرة المدرسة، وكان مدير المدرسة يحب الزراعة وأنشأ حديقة بسيطة فيها مجموعة من الزهور والنباتات والطيور، لتجميل المدرسة ويستخدمها المدرسون لتعريف الطلبة بالنباتات، لكن الفيضان دمر تلك الحديقة بطيورها ومزروعاتها.

وأذكر في تلك الحادثة ما يؤكد العلاقات الإنسانية الأصيلة لشعب البحرين، حين كان أحد الطلبة المعاقين والذين يمشي على يديه ورجليه ويستخدم نعالاً في يديه من ضمن طلبة المدرسة، وتوقعنا أنه لن ينجو من الغرق بسبب ارتفاع مستوى المياه، لأننا لم نتمكن من حمله وقتها، وكان رجال القرية خارجها حيث يعملون في شركة بابكو، لكن ظهرت فجأة سيدة من القرية كانت تتمتع ببنية قوية وقامت بحمله على كتفيها وركضت به نحو البيوت التي كانت بعيدة ومرتفعة نسبياً عن مستوى المياه التي غمرت سواحل القرية لمسافة كبيرة.

أين درست في المرحلة الإعدادية؟

- في المرحلة الإعدادية انتقل طلبة قلالي إلى المحرق للدراسة هناك في مدرسة طارق بن زياد، حيث كان مدير المدرسة الشيخ عمر آل خليفة الذي تمتع بالحكمة وحسن الإدارة، ومثلت الدراسة في المحرق فرصة للالتقاء بأقراننا من قرى المحرق الأخرى مثل عراد والحالات وغيرها، وأذكر من بينهم الدكتور علي العرادي الطبيب المعروف وعضو مجلس الشورى السابق، حيث كان زميلي في الدراسة، هذا بالإضافة إلى وجود طلبة من العائلة الحاكمة معنا في نفس الصفوف، لكن لم نشعر يوماً بفارق طبقي فقد كانوا متواضعين ويلعبون معنا المباريات في ساحة المدرسة.

ومن المواقف التي حدثت خلال شهر رمضان، وأذكرها وتدل على تواضع آل خليفة، حين شاركنا في مباراة كرة قدم، واصطدمت بزميل ضخم الجثة لأسقط على الأرض وأنزف دماً بينما كنت صائماً، فما كان من الزميل خالد آل خليفة إلا أن قام بحملي إلى الحمامات وغسل وجهي بالماء ونظف الجرح، ثم حملني مرة أخرى لغرفة مشرف المدرسة والذي عندما رأى ما حدث طلب مني أن أفطر، ثم قام باستدعاء سيارة الإسعاف ونقلي إلى المركز الصحي لتلقي العلاج.

ولم يكن العيد الوطني يمر دون تنظيم احتفال كبير في المدرسة، حيث كان الأستاذ محمد النعيمي يتولى الإشراف على كافة تفاصيل الحفل والترتيب وإقامة المسرح وغيرها، وكان أحد الأساتذة من عائلة الشيراوي وهي عائلة كانت تشتهر بالثقافة، فاستعان به مدير المدرسة ليؤلف أبياتاً شعرية وطنية وغناها أحد الطلبة الذي كان يتمتع بصوت جميل.

كيف بدأت رحلتك مع الدراسة الجامعية؟

- في مطلع السبعينات، كانت وزارة التربية والتعليم تقدم منحاً دراسية للطلبة المتفوقين، فقدمت بإحدى البعثات وحصلت على مقعد للدراسة بجامعة الكويت يشمل السكن والرسوم الدراسية والمأكل وكافة التفاصيل، وكنت في البداية أرغب في دراسة القانون، لكن وجدت نفسي في دراسة علم النفس، وحينها كان الطلبة يسكنون في مجمع سكني كبير بمنطقة الشويخ وهو عبارة عن مدرسة ثانوية قديمة.

ما هي أبرز ذكرياتك في مرحلة الجامعة ومن هم زملاؤك آنذاك؟

- أذكر من مواقف السكن الجامعي، حين كان الطلبة يسكنون في أجنحة كبيرة، وكل جناح يضم عشرات الطلبة في عنبر واحد لا يفصلهم عن بعض سوى خزانات الملابس التي بين الأسرة، وقد كان من بين الطلبة مجموعات من المشاغبين الذين لا يتركون الآخرين ينامون، فيجد الطالب فجأة نفسه وقد ألقيت عليه كرة أو حبة فاكهة أو سلة من مكان مجهول، وكذلك لم نكن نستطيع النوم بسبب العدد الكبير من الطلبة الذين يتناقشون وتتعالى أصواتهم في المساء.

وعلى الرغم من انعدام الخصوصية في السكن الجماعي، إلا أن ذلك لم يستثنِ شخصيات كبيرة من التواجد معنا والدراسة، حيث أقام معنا في هذا السكن الشيخ خليفة بن راشد آل خليفة رئيس المحكمة الدستورية الآن والذي كان يدرس في كلية الحقوق، وكذلك وزير التربية والتعليم الدكتور ماجد النعيمي وقد درس في قسم التاريخ، وقد أصبحنا أصدقاء وكنا نذهب سوياً إلى المباركية لتناول الطعام والتسوق بعيداً عن أجواء السكن.

وكانت إدارة السكن تتسلم ملابسنا أسبوعياً لغسلها مجاناً، بينما تم تخصيص قاعة للقراءة حتى يجد الطالب مكاناً هادئاً للاستذكار بعيداً عن منطقة النوم، وحين تبدأ أشهر الصيف كنا نلوذ بالفرار إلى سطح المبنى وننام فوقه لأن في تلك الفترة لم يكن هناك مكيفات أو وسائل تبريد، إلا أنه وعلى الرغم من تلك المعاناة، فقد كانت سعادتنا تتجاوز تلك المصاعب.

حدثنا عن مسيرة العمل وكيف بدأت بعد التخرج؟

- بعد التخرج تم تعييني في مدرسة ابتدائية وذلك اتباعاً لنظم تعيين المعلمين بأنه يجب أن يبدأ بالمرحلة الابتدائية ويتدرج ليصل إلى الثانوي، وهذا ما أزعجني لأن المفترض أن أقوم بتدريس مادة علم النفس التي حصلت على شهادة جامعية فيها وهي مادة لا توجد إلا في المدرسة الثانوية، بينما زملائي في المدرسة لم يكونوا من الجامعيين، فشعرت بإحباط من العمل، حتى إنهم لم يجدوا لي مواد لكي أدرسها فقرر مدير المدرسة أن أدرس المواد الاجتماعية للصف الخامس الابتدائي، وسارت الأمور فقد كنت أقوم بالتحضير لدروس المواد الاجتماعية، ثم أضاف المدير مادة الرسم لتكملة الجدول، وأنا لا أعرف عن الرسم شيئاً، فحضر يوماً موجه لمادة الرسم وهو الأستاذ والفنان التشكيلي إسحاق خنجي الذي قدم منحوتة السمكة الموجودة بالقرب من النادي البحري.

وسألني الأستاذ خنجي عن دفتر تحضير مادة الرسم فأبلغته بأنني لا أعلم شيئاً عن تلك المادة ولست حتى رساماً، فقدم شكوى ضدي عند مدير المدرسة، الذي طلب مني الاستعانة بمعلم زميل متخصص ساعدني، لكن تلك الفترة من حياتي شعرت فيها بالنقمة على نفسي.. فأنا خريج جامعي ومن المفترض أن أعمل في وظيفة أفضل من تلك ولذلك قررت الاستقالة.

ما هي الوظيفة البديلة للتعليم؟

- تواصلت مع زملائي الذين درسوا معي، وعرفت أنهم انضموا للعمل في وكالة أنباء الخليج التي يرأسها آنذاك مستشار جلالة الملك لشؤون الإعلام الأستاذ نبيل الحمر، وقدمت للعمل معهم فتم قبولي بوظيفة محرر للأخبار، وكنا نجلس جميعاً على طاولة واحدة ننتظر الأخبار التي تأتينا فنقوم بكتابتها وإعادة الصياغة، ليتم بثها مرة أخرى، لكن هذه الوظيفة لم أستقر فيها سوى 17 يوماً فقط، لأني لا أحب الجلوس والانتظار فقدمت استقالتي وعدت مرة أخرى لوزارة التربية والتعليم ولكن للعمل في مدرسة ثانوية حيث عملت في مدرستي النعيم والشيخ عبدالعزيز.

متى بدأت الدراسات العليا؟

- كانت لدي رغبة في الدراسات العليا وبحثت إلى أن وجدت برنامجاً بجامعة الخليج لدراسة التفوق العقلي وحصلت على الماجستير، بينما كنت أواصل عملي كمعلم في المدرسة الثانوية، ولا أنسى تعاون مدير المدرسة حين قرر إعطائي حصصاً تتوافق مع مواعيد الدراسة في الجامعة، وكنت أتردد يومياً بين العمل في المدرسة والدراسة في الجامعة لثلاث سنوات حصلت في ختامها على الماجستير بدرجة امتياز.

وعند ذلك قدمت للعمل في جامعة البحرين، وعملت معيداً لسنتين ثم أرسلتني الجامعة بعثة في بريطانيا بجامعة "باث"، ودرست علم النفس تخصص الموهوبين والمبدعين على يد البروفيسورة هيلين هاستي التي كانت دائماً تطلب مني مواصلة القراءة وتقول "أنتم العرب لا تقرؤون" ولذلك حرصت على الذهاب للمكتبة وقراءة أكبر عدد من الكتب فيها.

وبعد الانتهاء من الدكتوراه التي كتبتها عن الموهوبين في مملكة البحرين، كتبت الدكتورة هيلين في مقدمة الكتاب تعليقها بأنها تعلمت الكثير عن الثقافة البحرينية.