من المفاهيم الخطأ الشائعة أن الإنسان بحاجة الى أن يكون لديه عدد كبير من الأصدقاء ليكون سعيدا. إلا أن الدراسات كشفت بشكل مثبت بأن عدد الأصدقاء ليس مهما، بل جودتهم (أو صدقهم). ووفقاً للأبحاث الأميركية، فالمعدل الصحي لدائرة العلاقات الاجتماعية هو ان يكون لديك 3 إلى 5 أصدقاء مقربين، ومن 10 إلى 15 شخصا ضمن دائرتك الاجتماعية، ومن 100 إلى 150 معارف وزملاء.

كما أظهرت إحصائية بأن نصف البالغين لديهم 3 أصدقاء مقربين جدا و30 - %25 لديهم 4 الى 5 أصدقاء مقربين جدا، أما القلة الباقية فلديهم 6 وعدد أكبر من الأصدقاء المقربين.

شرحت المدربة الحياتية نادية عبدالله نعيم، قائلة: تطرق الفلاسفة اليونانيون الى أهمية الصداقة ودورها في حياة الإنسان، بحيث اعتبروا حقائق الصداقة ونظرياتها بأهمية الحقائق العلمية والنظريات. وعرفوها بكونها علاقة بين إنسانين يكون أساسها المودة والمحبة والرحمة والصدق. فالصداقة عند سقراط دلالة على مكنون الشخص نفسه، ومن هنا تأتي مقولة «قل لي من صديقك أقل لك من أنت»، وأشار عدة مرات إلى أن الخير في الشخص يجذب الأصدقاء الأخيار، والشر في النفس يجذب الأصدقاء الأشرار. وشرح انجذاب الأصدقاء بكونه قوة وجاذبية من الكون تجذب للشخص ما يريده ويكمن في داخله.



بديل للطبيب النفسي

حول تعريف الصديق، شرحت نادية قائلة: الصداقة هي عبارة عن علاقة تجمع شخصين غريبين (خارج نطاق العائلة) عبر رابط المودة والرحمة والثقة والصدق. إلا ان هناك علاقات أسرية (كأخوة أو أقارب) تتطور الى علاقة صداقة قوية أيضا. وما يميز علاقة الصداقة الصحية هي كونها علاقة صادقة تجعل الشخص يتمكن من الفضفضة والتعبير عن رأيه وظروفه بكل أريحية من دون خوف من إطلاق أحكام أو فضح أسرار. كما تمد الشخص بمشاعر الثقة والدعم والمتعة والايجابية. لذا، يمكن تشبيه الصديق ببديل للطبيب النفسي.

لا تيأس من الصداقة

وتابعت نعيم: بعض الذين تعرضوا لتجربة قاسية (كالغدر والخيانة او انتقادات سلبية متكررة) من أصدقاء سابقين، لديهم اعتقاد بأن الصداقة علاقة غير مفيدة او غير حقيقة، او يعانون من رهاب الثقة بالآخرين. وأدى ذلك الى تفصيلهم للوحدة والعلاقات السطحية، التي تجمعهم بأشخاص، من باب المتعة والمرح فقط. ولكن مثلما يجب ألا ييأس الشخص من الزواج بعد علاقة زواج فاشلة، فعليه ان يستمر في تكوين صداقات.

وأضافت: هناك صداقات استمرت خلال المراهقة والشباب، ولكنها تفككت بعد ذلك، وهناك صداقات حديثة وقوية رغم كونها تكونت خلال مرحلة العمل او كبر السن. فالصديق هو إضافة جميلة الى الحياة، يوفر الدعم خلال الصعوبات والمشاركة خلال الأفراح.

فوائد مثبتة علمياً

أشارت مدربة الحياة نادية الى عدة دراسات تؤكد فائدة الصداقة، وذكرت 7 منها:

1ــ تجعلك أكثر صحة جسدياً

تعمل الصداقات على تحسين صحتك على كل المستويات، بحيث أظهرت الأبحاث أنها لا تقل أهمية عن النظام الغذائي والتمارين الرياضية. فهي تساهم في خفض ضغط الدم ومؤشر كتلة الجسم وتقليل الالتهاب وخطر الإصابة بمرض السكري في جميع الفئات العمرية. لكن ذلك ينطبق فقط على الصداقات الجيدة مع أشخاص يلهمونك لتصبح نسخة أفضل من نفسك. أما الصداقات السامة فلها تأثير معاكس. فالأصدقاء غير الصحيين أو المرضى عقلياً يؤثرون سلباً على صحتك، مما يسبب ذلك زيادة في خطر الإصابة بالاكتئاب والسمنة والتدخين وتعاطي المخدرات والانتحار.

2ــ تجعلك أكثر سعادة

الشهرة والثروة لا تشتريان السعادة، ولكن الصداقة تفعل ذلك، حيث أظهرت إحدى أطول الدراسات البشرية حول السعادة أن العلاقات هي المؤشر الرئيسي لمستوى الفرح والسعادة، حيث استمرت دراسة كلية هارفارد في متابعة أكثر من ألف شخص لمدة 80 عاماً، للكشف عن «ما هي المتغيرات النفسية والبيولوجية التي تتنبأ بالصحة والرفاهية في أواخر العمر». وكانت النتائج مذهلة، وهي أن العامل الوحيد الذي يمكن ربطه بالسعادة هو جودة العلاقات الإنسانية، حيث تجاوز دور الصداقات الوثيقة والصلات الأسرية والزواج دور الطبقة الاجتماعية أو معدل الذكاء أو الشهرة أو الثروة.

ووفق الدراسة، فإن من حظوا بأكبر قدر من الرضا عن صداقاتهم في سن الخمسين كانوا هم الأكثر صحة وسعادة في سن 80. كما ارتبطت الوحدة ارتباطاً وثيقاً بالموت المبكر والإصابة بالأمراض المميته في سن الستين، وشأنها في ذلك شأن التدخين أو الإدمان.

3- تطيل العمر

اثبتت الدراسات ان غريزة البشر وحتى ادمغتهم مفعلة للاتصال الاجتماعي بشكل فطري واساسي للبقاء احياء. ويمكن القول ان الترابط الاجتماعي يعتبر آلية للبقاء، بحيث ان الاطفال الذين لا يحصلون على احضان ولمسات بشرية يكونون عرضة للوفاة. كما خلصت دراسة الى ان كبار السن الذين لديهم روابط اجتماعية هم الأكثر فرصة للبقاء على قيد الحياة بنسبة %50 خلال السنوات العشر القادمة من حياتهم.

بعبارة أخرى، ضعف العلاقات الاجتماعية أو قلة الأصدقاء يزيد خطر الوفاة بغض النظر عن العمر أو الجنس أو الحالة الصحية.

4- تزيد قوة المناعة وتقلل المرض

أكدت أدلة بحثية ان وجود روابط اجتماعية قوية له دور في تعزيز المناعة. ففي دراسة، وجد الباحثون أن التواصل الاجتماعي يقلل خطر الإصابة بنزلات البرد حتى عند التعرض لفيروس نزلات البرد. بمعنى آخر، الذين يتمتعون بوجود أصدقاء هم الأقل عرضة للإصابة بنزلة برد والعدوى الفيروسية، وذلك بغض النظر عن قرارات نمط حياتهم.

وفي المقابل، ترتبط العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة بضعف المناعة، بل وقد يترتب عليها حدوث خلل في الجهاز المناعي وتدهور معرفي وارتفاع فرصة الاصابة بالامراض المزمنة مع تقدم العمر.

5- تزيد النجاح المالي

ربما سمعت المثل «شبكتك هي صافي ثروتك». فالنجاح المالي مرتبط بالكفاءة الاجتماعية، لا سيما بين رواد الأعمال، حيث تعد المهارات الاجتماعية عاملا محددا رئيسيا للثروة، في جميع مجالات التجارة والصناعة. فالأشخاص الأكثر نجاحا في الحياة والأعمال هم الأكثر ثقة بالنفس، ولديهم دعم اسري واجتماعي كبير وقوي، وهم ما ينمي عندهم القدرة على التفاعل المريح والفعال مع البشر.

6- تحسن صحتك العقلية

الصداقات الجيدة تقلل التوتر، وتقوي احترام الذات وتخلق شعورا بالانتماء. وحتى تعرف تأثير عدم وجود صديق، فقد اشارت دراسة أجريت عام 2020 إلى أن 3 من أصل 5 أميركيين يعانون من الوحدة، وان هذا الشعور بالوحدة والعزلة يرتبط ارتباطا وثيقا بالوفاة المبكرة وبمخاطر الاصابة بالاكتئاب والامراض النفسية، وحتى التدهور المعرفي والذهني.

7- تقلل الشعور بالألم

يفضل البعض الأذى الجسدي الفعلي على تجربة الرفض او خيانة صديق. وقد يكون السبب بحسب دراسة لعلماء الأعصاب أن «الألم الاجتماعي» ينشط نفس أجزاء الدماغ التي ينشطها الألم الجسدي.

بعبارة أخرى، يتسبب الالم الاجتماعي بألم محسوس، بحيث يمكن تشبيهه بـ«القلب المكسور» أو «جرح المشاعر».

من جانب آخر، أشارت دراسات عدة الى ان التمتع بروابط اجتماعية قوية وعلاقات صداقة صحية من العوامل التي تقلل بل وقد تخفي مشاعر الآلام لدى المصابين بآلام الديسك وآلام العظام والعضلات وامراض اخرى.

معلومات مهمة

- الصداقة الصحية علاقة صادقة تمد الشخص بمشاعر الثقة والدعم والمتعة والإيجابية

- أظهرت الأبحاث أن الصداقات لا تقل أهمية عن النظام الغذائي والتمارين الرياضية

- الصداقة تسهم في خفض ضغط الدم وتقليل الالتهاب وخطر الإصابة بمرض السكري

- من حظوا بأكبر قدر من الرضا عن صداقاتهم في سن الخمسين كانوا الأكثر صحة في الـ80

- التواصل الاجتماعي يقلل خطر الإصابة بنزلات البرد حتى عند التعرض للفيروس المسبب

- في المقابل، الأصدقاء غير الصحيين أو المرضى عقلياً يؤثرون سلباً في صحتك