عثمان عادل العباسي

من حين لآخر، أجلس على ذلك الكرسي الحجري المطلّ على فرضة المحرّق، أتأمل البحر الهادئ والقوارب التي تتحرك مع أول خيوط الشمس، مستذكراً حكايات النواخذة ورحلاتهم. في تلك اللحظة، كنت أتصفح سريعاً أخبار زيارة الرئيس الأمريكي ترامب الأخيرة لمنطقة الخليج، وصفقات التكنولوجيا الكبرى التي رافقتها، وتساءلت: كيف تغيّر المشهد التقني في منطقتنا بهذه السرعة؟ كيف كنّا قبل عشر سنوات، وأين أصبحنا اليوم؟

هنا تحديداً عادت بي الذاكرة إلى تجربتي في عام 2013، عندما وقفت مشاركاً في مؤتمر تقني دولي بمدينة بوسطن الأمريكية. حينها وقفتُ بكل حماس خلف منصة صغيرة، أمثّل شركة ناشئة متخصصة في حلول تقنية مبتكرة بدأت بها رحلتي المهنية، وكنت في الوقت نفسه رئيساً لجمعية الشباب والتكنولوجيا التي تهدف إلى تعريف العالم بالقدرات الابتكارية للشباب البحريني. أتذكر جيداً تلك الطاولة التي ملأتها بالبروشورات التعريفية وهدايا بسيطة مبتكرة، كالفلاش ميموري الذي حمل شعار الشركة، وحرصتُ على وضع طبق من الحلوى البحرينية الأصيلة لتجذب الزائرين. والحق يُقال، كانت الحلوى بطلة ذلك اليوم؛ استقطبت الزوار بشكل مذهل، تماماً كما كانت الهيرات تستقطب الغاصة الباحثين عن اللؤلؤ في ماضينا الجميل.

هذه المشاركة كانت مدعومة بسخاء من «تمكين»، التي لم تدعمني فقط مادياً في أغلب التكاليف، بل منحتني فرصة نادرة لأبحر نحو العالمية وأروّج لوطني البحرين. ربما تغيّر شكل الدعم اليوم قليلًا، لكنه لا يزال ركيزة أساسية لتحفيز القطاع الخاص البحريني على الإبحار في عالم المنافسة الدولية.

من بين المواقف التي أدهشتني في ذلك المؤتمر، سؤال أحد الزائرين حين توقف أمام منصتي متسائلًا باستغراب شديد: «أين تقع البحرين بالضبط؟»، وبعد أن شرحت له موقعنا الصغير على خريطة العالم، عاجلني بسؤال أكثر غرابة: «أليست البحرين دولة نفطية؟ لماذا تهتمون بالتكنولوجيا؟». لحظتها أدركتُ أننا قدمنا تسويقاً ناجحاً لوطننا بشكل غير مباشر، فأصبح حضورنا في المؤتمر فرصة لتعريف العالم بأننا نملك طموحاً أكبر من مجرد النفط.

اليوم، وبعد سنوات من تلك التجربة، تملؤني مشاعر الفخر والاعتزاز، وأنا أرى البحرين تخطو خطوات واسعة وواثقة نحو «هيرات» جديدة في مجالات الحوسبة السحابية والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي. وليس ذلك فحسب، بل أصبحنا جزءاً من مشهد خليجي مشترك يشبه «دشّة» جماعية نحو المستقبل التقني الواعد؛ فالسعودية تخوض تجربة بناء مدن ذكية متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، فيما الإمارات تتقدم كحاضنة عالمية للابتكار التكنولوجي، وقطر تعزز بنيتها التقنية عبر اتفاقيات كبرى تلفت الأنظار، والكويت وعُمان تستثمران بقوة في تطوير منظومتهما الرقمية. هكذا يبدو الخليج اليوم، متحداً ومتجهاً بثقة في رحلة مشتركة نحو مستقبلٍ تقنيٍ واعد.

رسالتي لشبابنا واضحة، قد لا يكون الطريق نحو النجاح والابتكار سهلاً، وربما يشبه رحلة «الغيص» في مواجهة أعماق البحر، لكن الفرص الكبيرة تستحق الصبر والمحاولة الجادة المدروسة. نحن نعيش لحظة تكنولوجية ذهبية، والطموح يحتاج فقط إلى الإرادة والتعاون والثقة بالنفس.

في ذلك اليوم على «فرضة المحرق»، مع صوت البحر الممتد وأصداء الماضي العريق، شعرتُ أن الوقت يمر سريعاً، وأن المستقبل لا ينتظر أحداً. حان الوقت لنُعلن للعالم أننا هنا، جاهزون للإبحار بثقة نحو المستقبل، قادرون على الإبداع والمنافسة.* خبير تقني