ورد في الحديث عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: نام النبي صلى الله عليه وسلم على حصير، فقام وقد أثر في جنبه عليه الصلاة والسلام، فقلنا: يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاءً؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «ما لي وما للدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها». هكذا هي الدنيا بلا مقدمات ولا تفصيل ممل لفصولها الكثيرة المليئة بالمواقف الكثيرة المتشابكة التي يمر بها الإنسان، فتكون نهايته الرحيل المحتوم في غرفة صغيرة لم يعتد عليها في أيام حياته. ختام مؤثر لكل من يتمعن حاله اليوم، وحاله في ساعة الرحيل، ويسأل الله عز وجل أن يجعل الختام حينها أجمل لحظات الختام في حياته. أتأمل الحال كلما رحل من حياتنا أي قريب أو صديق أو قلب طيب سمعنا عنه كل خير، فإذا ما جئنا لنشهد المشهد الأخير له في في المقبرة أعدنا التأمل في ذكريات جميلة جمعتنا معه، ولربما شهدها المجتمع بأسره بمواقف الأثر الجميل التي يبقى أثرها جيلاً بعد جيل.

أتأمل «هذه هي الحياة».. كلما غرقنا في بحور التيه والتعب والنصب والهموم وأحداث الأيام المتتالية.. وكلما أشغلتنا الحياة عن مقصدها الأسمى ونهايتها الأبدية، فبتنا نفكر في لحظاتها بلا أن ندرك أننا سنرحل عما قريب، وستتكرر صورة الختام والوداع كما نشهدها اليوم في سير الجنائز. أتأمل الحياة وأدرك أن الأثر الذي يجب أن يترك اليوم، يجب أن لا يكون أثراً عادياً، بل أثراً ينحت على جدران الحياة لأجيال تستخلص منه العظات وتجعله قدوة لها في حياتها القادمة القصيرة دائماً. إنها الحياة التي كلما مر علينا إشراقة يوم جديد فيها، كلما حمدنا الله عز وجل أن أبقى أنفاسنا لمساحات جديدة ننشر فيها أجمل الأثر، ونجد ونجتهد طاعة لله عز وجل وقرباً منه، وابتغاء لنيل الفردوس الأعلى من الجنة. لم يعد الوقت متاحاً للتسويف ولا لتأخير أي قرار في عمل خير، بل هي المبادرة والشغف لأي ميدان يعطيك الأمل لحياة أجمل في دنيا البشر.

نستمتع بالحياة لأنها قصيرة جداً، فنحب ونسعد كل من بقربنا، ويكون الجمال الحقيقي لذواتنا بسلام داخلي في كل لحظة نعيشها، فلا نأبه أبداً بتوافه العيش، ولا بتلك المواقف المريضة التي يعيشها البعض بغية تحقيق مآربه الشخصية بلا اعتبار بحوادث العيش. نستمتع بالمواقف ونخلص نياتنا الصادقة فيها من أجل الله عز وجل، فتكون حياتنا كلها لله تعالى، لا نبتغي فيها كلمات الشكر والثناء والإطراء لأنها ستكون يوماً ما نسياً منسياً. الاستمتاع بالخير في أيام الحياة أجمل ما في النفس، فلا تهدر أوقاتك في مشاغل لا نفع لها، وإن قررت أن تكون يوماً ما في مشهد يشهد لك فيه كل البشر، فحينها احذر أن تتنازل عن مبادئك وثوابتك وإيمانك العميق الذي تركز في قلبك منذ نعومة أظفارك. فكن حينها أنت القدوة حتى تؤثر بأثر جميل في نفوس الآخرين.

هذه هي الحياة بمختصر مفيد.. أثر نتركه وإحسان إلى كل مساحاتها.. وسل الله عز وجل دائماً وأبداً أن يجعلك ممن طال عمره وحسن عمله، وأن يلبسك لباس الصحة والعافية، وأن يختم لك على خير.. الخير الذي إن عملته سترحل على ذاته وأثره الجميل بإذن الله تعالى.

ومضة أمل

اكتب أثرك الذي تتمنى أن يكتبه عنك الناس يوم أن تودع الحياة.