في مقال نشر في مجلة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة (العدد 4 بتاريخ 30 ديسمبر 2020) حدّد فيه أنّ المجتمعات المعاصرة تقوم وتنشأ على مبدأ الدّيمقراطية، ولا يمكن للذّهنيّة الدّيمقراطيّة أن تكون حاضرة في الحياة الاجتماعية دون وسيط مؤسّساتي يقوم على التّنشئة بالأسلوب الدّيمقراطيّ. ولعلّ هذا الوسيط المؤسّساتيّ المتمثّل في الأسرة، عليه أن يجعل من التّنشئة على المواطنة أولويّة من أولويّاته، ولهذا فإنّ التّأكيد على دور التّنشئة كعامل أساسيّ في تكوين وتنشئة الأفراد على قيم المواطنة لم يختلف عليه الكثير من العلماء، فالتّنشئة الاجتماعيّة من أدقّ العمليّات وأخطرها شأناً في حياة الفرد لأنّها الدّعامة الأولى الّتي ترتكز عليها مقوّمات شخصيّته، وحتّى يصبح هذا الفرد عضواً بارزاً في تحقيق التّقدّم الاجتماعيّ لا بد من الاهتمام بتنشئته الأسريّة لأهمّيتها في إنتاج المواطن الفاعل فاعليّة إيجابيّة في المجتمع من خلال استدماج مجموعة من أساليب التّنشئة السّويّة ومنها الأسلوب الدّيمقراطيّ من اجل ترسيخ قيم المواطنة منذ الصّغر ما سيساهم في تثبيت هويّته داخل المجتمع.

وحيث إنّ البناء الدّيمقراطيّ الفعّال يتطّلب تأسيس ثقافة سياسيّة جمعّية ضمن عمليّة تنمويّة شاملة؛ إذ إنّها تمثّل نسقاً متبادلاً بين النّظام السّياسيّ والمجتمع. ومن هذا المنطلق يتجلّى بوضوح تأثير كلّ من التّنشئة والثّقافة السّياسيّة على الممارسة الدّيمقراطيّة. فالثّقافة السّياسيّة تعّبر عن منظومة تفاعل الأفراد باعتبارهم وكلاء اجتماعيّين يمارسون التّأثير على بعضهم البعض في إطار حالات اجتماعية تنبعث من أنماط حياة مختلفة، والتي تأخذ صوراً مختلفة من الثّقافات السّياسيّة المتنافسة.

كما نوّه المستشار السّياسيّ لمعهد البحرين للتّنمية السّياسيّة الأستاذ الفاضل خالد أحمد فيّاض في سلسلة كتيّبات برلمانيّة (2020) في التّنشئة السّياسيّة الدّيمقراطيّة والّتي تعني انتقال الأفكار والقيم والمعايير، وأيضاً المهارات والقدرات والابتكارات، من جيل إلى جيل، أو من جماعة إلى جماعة وهي بذلك تمثّل «نقل طابع المجتمع وهويّته وخصوصيّته المعبّرة عن ذاته وكينونته إلى أجيال جديدة». وأضاف «وتقف الأسرة باعتبارها المؤسّسة الأولى في عمليّة التنشئة نتيجةً لكونها هي المؤسسة الّتي ينشأ فيها الفرد وينمو في مراحله العمريّة الأولى. أمّا المؤسّسة الثّانية فهي المدرسة بما عليها من دور محوريّ يتمّ استخدامه من خلال ثلاث آليّات محدّدة: الأولى هي المنهج الدّراسيّ بما يحتويه من قيم وأفكار معيّنة».

وأوضح «يأتي المجتمع المدنيّ، حيث تعدّ مؤسّساته هي المستويات الأولى لتعلّم الدّيمقراطيّة والتّنشئة عليها، فتصقل المواطن بالأسلوب الدّيمقراطيّ عند إبداء الرّأي والتّدريب على أساليب التّفاوض الجماعيّ».

لا يختلف اثنان حسب رأينا المتواضع على أنّ التّنشئة السّياسيّة السّليمة تؤسّس للاستقرار السّياسي في المجتمع والتّوافق في الثّقافة السّياسيّة بين أفراد المجتمع وبالتّحديد فئة الشّباب والنّاشئة وبين النّخب السّياسيّة، ولعلّ ذلك يسهم في تقريب وجهات النّظر ويعزّز من حالة الاستقرار السّياسيّ في المجتمع. وفي حالة الاختلاف وعدم التّوافق بين ثقافة أفراد المجتمع المتعدّد وثقافة النّخب تصبح وجهات النّظر بين مفترق كبير، وإهمال جانب التّنشئة يهدّد أمن واستقرار المجتمع الثّقافيّ.

الدّور المناط على أولياء الأمور «الأسرة» يتمثّل في الحرص على تنشئة الأبناء على حبّ الوطن والمواطنة الصّالحة عبر التّربية الصّحيحة والحوار البنّاء الهادف ومشاركة جميع أفراد الأسرة وتنشئتهم على أساليب الحوار الدّيمقراطيّ وحسن الإنصات والمشاركة الإيجابيّة، ويأتي دور المدرسة انطلاقا من كتاب «التّربية للمواطنة» الصّادر من وزارة التّربية والتّعليم لكافة المراحل التّعليميّة كأحد أهم الرّكائز الدّاعمة لتنشئة الطّلبة على المواطنة الصّالحة وأساليب الدّيمقراطيّة وتعريفهم بإنجازات المشروع الإصلاحيّ الّذي أرسى دعائمة حضرة صاحب الجلالة الملك «حمد بن عيسى آل خليفة» ملك البلاد المعظّم حفظه الله ورعاه.

مؤسّسات المجتمع المدنيّ والأندية الرّياضيّة والثّقافية إسهامها لا يقلّ أهمّيّة عن دور الأسرة والمدرسة، وعلى سبيل المثال وليس الحصر نذكر المجالس الأهليّة، والبرلمان الشّبابيّ، ومشاريع الشّباب المختلفة والّتي تعتبر منصّات حاضرة للتّنشئة الثّقافيّة وغرس مبادئ الدّيمقراطيّة، فالتّنشئة السّليمة ستخلق لنا جيلاً سيحمل لواء الدّيمقراطيّة لمملكتنا الغالية من أجل مستقبل أكثر إشراقاً.

* باحث أكاديميّ