اللغة ليست مجرد أداة تواصل وصِلة بين البشر، وهي وسيلة للمعرفة ونقل الزاد الثقافي، ووعاء للتنوع الحضاري، واليوم تتميز لغة عن أخرى من حيث انتشار استخدامها واعتمادها رسمياً في المحافل العالمية.

وتتميز اللغة العربية بهذه المقومات، إذ تحتل المركز الرابع أو الخامس من حيث اللغات الأكثر انتشاراً في العالم، يتكلمها يومياً ما يزيد عن 467 مليون نسمة من سكان المعمورة. وهي تحتل المركز الثالث تبعاً لعدد الدول التي تعترف بها كلغة رسمية، إذ تعترف بها 27 دولة كلغة رسمية، واللغة الرابعة من حيث عدد المستخدمين على الإنترنت.

بيد أن لغة الضاد تتميز عن اللغات كلها بعدة أبعاد، بدءاً ببعد الإسهام في الحضارة الإنسانية كما هو شعار اليوم العالمي للغة العربية لهذا العام، من خلال الرصيد الهائل للزاد المعرفي الذي أورثته حروفها للبشرية على مر الحقب الزمنية، عبر جسر التواصل الثقافي الذي مدّته بينها ليكون همزة الوصل في تقريب وارتقاء الأمم.

فالقرب والتجاور بين العديد من البلدان العربية يشكل بعداً آخر هو امتداد الرقعة الجغرافية، ما يجعل من هذه الكتلة الناطقة باللغة العربية كلغة أم، من المحيط إلى الخليج، قوة بشرية يضاعفها موقعها الإستراتيجي على الخارطة لتصبح بذلك قوة اقتصادية.

إضافة إلى أن الناطقين باللغة العربية يتوزعون في مناطق قريبة لعدة بلدان من بينها تركيا وتشاد ومالي والسنغال وإريتريا.

يضاف إلى ذلك بعد العمق الأدبي والبعد الشعري، فهي لغة الآداب وأروع الكتابات من المأثورات. وكذلك البعد العلمي حيث إنها كما هو معلوم هي لغة نبع مختلف علوم الرياضيات والفيزياء والطب، وقناة نقلها وتصديرها إلى الأمم من خلال الترجمة.

كما أن البعد الفني تختص به جماليات خط حروفها بأشكال وأساليب عدة منها خط النسخ والرقعة والكوفي والديواني، وبذلك هي اللغة صاحبة الحروف التي ترسم بها اللوحات وتحاك بها المنسوجات.

هذا فضلاً على البعد العقائدي، فهي لغة مقدسة، لغة القرآن، لا تتم الصلاة إلا بإتقان بعض من كلماتها، كما أنها أيضاً لغة شعائرية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في المنطقة العربية، وقد كتب بها كثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى.

وفوق كل ذلك، وأسمى الأبعاد، هو أن اللغة العربية هي اللغة التي اختارها رب الكون واللغات أن تكون لغة الكتاب الخاتم ولغة الصلاة في الأرض والسماوات.