سأُعطي مثالاً على متغيّرات مستجدّة في عالمنا العربي عما يُسمّى بإعلام الظّل، وهو ما سبقتنا إليه قطر في قناة الجزيرة وفي المنظومة الإعلامية التي تضمها، بدءاً من صحف وقنوات تلفزيونية وكتّاب في صحافة أجنبية ومراكز أبحاث أجنبية وووو، كلها «خباز كانه مو لك» إلى جانب الإعلام الرسمي الحكومي، إن شكوتهم قالوا لا دخل لنا ذلك إعلام خاصّ!!

اليوم تحوّل إعلام الظّل من البث التلفزيوني إلى منصّات وسائل التواصل الاجتماعي، الفكرة هي نفسها إنما المنصّة اختلفت، خاصة أن المنصّات الجديدة أقل كلفة بكثير وأسرع وأكثر تأثيراً، ومصر أدركت هذا الواقع مبكّراً وأخذت بزمام المبادرة، ولنأخذها مثالاً.

فجأة بدأت برامج «التوك شو» التلفزيونية تفقد ثقلها المؤثر في المجال السياسي في الإعلام المصري، وما أكثرها وما أكثر نجومها! بعد أن كانت وسيلة تواصل حكومي شعبي مؤثرة ومتأثرة في مرحلة ما، وقادرة على إدارة الرأي العام إن صحّ التعبير، تستخدمها الدولة بجدارة حيث اللغة المبسّطة والتعليقات الساخرة والسرعة وحضور ثابت في المشهد اليومي، إنما مع الوقت بدأت هذه البرامج ونجومها يفقدون سحرهم لأسباب عديدة، ليس اليوم مجال تعدادها، إنما الملاحظ أنه حلّت محلّها وبسرعة برامج أكثر تحرّراً وأرفع سقفاً وأسرع بثاً، والأهم أقل كلفة على وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأ عدد مشاهدي هذه البرامج يزيد يوماً بعد يوم ويصل إلى الملايين عند كل برنامج، وأصبح لهذه البرامج مشاهيرها ونجومها.

برامج على الـ«يوتيوب» وحتى على الـ«تيك توك» السريع ومثلهم على «سناب»، أصحاب تلك البرامج ينفون علاقتهم بأي جهاز رسمي ويؤكدون أن برامجهم مموّلة من قِبَل رعاة تجاريين، وفعلاً بعضهم في بداية كلّ حلقة يعلنون عن الرّعاة وهي محلات وشركات صغيرة في السوق.

وسواء كانت الأجهزة الرسمية تقف وراء هذه البرامج أو لا -كما يؤكدون- إلا أنه في النهاية نجحت هذه البرامج في تشكيل خط دفاع ذكي جداً عن الدولة المصرية ضد هجمات إعلام خصومها من الإعلام الإخواني وأقوى ألف مرة من برامج «التوك شو» في القنوات التلفزيونية من حيث المهارات والكفاءات التي يتمتع بها أصحاب تلك البرامج وسقفها المرتفع وحرجها المرفوع.

ذكيّ من يقف وراء هذه البرامج، ولا يهم أن تعرف من هو، فذلك ذكاء منه وقدرة على مجاراة المتغيّرات، وشطارة باختيار أصحاب تلك البرامج، شخصيات لها تأثير، محترمة، سُمعتها «غير مضروبة»، حديثها رصين مهنيّ صَرْف، متابعة للإعلام الأجنبي بدقة، مزوَّدة بمعلومات وهناك بعد معرفيّ يتجلّى بتحليلاتهم، وبعضهم يعيش خارج مصر.

ليس لديهم أي قيد في وقت البث أو حتى عدد مرّاته، أطول حلقة لهم عشرون دقيقة، غير مكلف بتاتاً، لا يحتاج أصحابه إلا لهاتف وإضاءة بسيطة متوفرة في كل المحلات يعلَّق عليها الهاتف، ويصورون في بيوتهم، وخلفيتهم أحياناً حائط أو مكتبة أو أي ركن منزلي لا يهمّ.

لكنهم لا يتركون صغيرة ولا كبيرة تخصّ مصر إلا كانوا حاضرين للحديث عنها، حتى إنهم من الذكاء يعنونون فيدوهاتهم على الـ«يوتيوب» بعناوين تبدو وكأنها تهاجم مصر وتهاجم حلفاءها إغراء لك وعنصر جذب ناجح لتدخل وترى ماذا سيقولون؟ ومن الذكاء بأنهم لا يتركون موضوعاً اعتقد الإخوان أنه مُحرج للحكومة المصرية ولن يتناوله إعلامها الرسمي إلا وبدؤوا، لكنهم به حلقاتهم في تحدٍّ للخصوم ويردّون عليه ردوداً صاعقة.

باختصار، هذا هو إعلام الظّل الذي نجح في الحلول مكان الإعلام الرسمي، تستخدمه الدول وتركّز عليه وتهتم به اهتماماً يفوق الاهتمام بكل أدواتها الإعلامية الرسمية، تستخدمه في تشكيل الرأي العام وفي الدفاع عن الأمن وفي الرّد على خصومها، وعدد مشاهديه يزيد عن عدد مشاهدي أي قناة تلفزيونية رسمية بآلاف بل بملايين المرّات.

أخيراً..

هذا الأسلوب تستخدمه إيران وخدمها من جميع الجنسيات العربية ضدنا، قنوات وبرامج على جميع التطبيقات في وسائل التواصل الاجتماعي، يتابعهم جوقة الخدم المتواجدين في جميع الدول العربية ويعيدون نشر محتواهم، ويستشهدون به، يتناولون الشأن البحريني ودواخله بالتفصيل، أحياناً يسبقون صحافتنا بالأخبار، لديهم مراسلوهم ومصادرهم!! ويتقولون على البحرين ويكذبون ويصطادون في الماء العكر ويلعبون وحدهم في الساحة، إذ لا يمكن لأي إعلام رسمي أن يجاريهم، ليس لقوة محتوى مادتهم بل لألف قيد وقيد يقيّد الإعلام مادام رسمياً.