لست من المدرسة التي تقول لماذا تنشر حزنك بعد رحيل فقيدك ولا تجعله بينك وبين ربك؟ هل تريد أن يتعاطف الناس معك؟ لأن هؤلاء لا يفقهون شيئاً بالتأكيد عن المعاناة والحزن المتراكم الذي قد يخفف عنه التعبير والنشر والفضفضة والكتابة الإلكترونية شأنه شأن أي شيء آخر تنشره عن يومياتك وحياتك ومن حولك وما يحصل لك، كما أن الروح تستكين نوعاً ما وهي ترى الناس تترحم على فقيدك وتذكره، وكثير من مواقع التواصل الاجتماعي تعد بالعموم مدونات شخصية تنشر فيها يومياتك وأحداثك وتفاصيلك وحتى تنشر شيئاً من شعورك واهتماماتك، وكثير من الأبحاث وخبراء علم النفس تطرق إلى أنه من الممكن أن تتعرّف على ملامح شخصية أحدهم من خلال محتواه الإلكتروني.

لكن أغرب تيك توك مر علينا لحد الآن وكان صادماً جداً هو لفتاة من الواضح أنها في العشرينات من العمر وهي تنشر صوراً ومقاطع فيديو لأبيها المتوفى رحمه الله من بداية استقباله لخبر إصابته بمرض عضال إلى حين وفاته مع نشر لقطات متعددة له وهو يبكي بعد جرعات العلاج الكيماوي ولحظات ضعفه وانكساره، وكيف تغير شكله وتحول إلى هيكل واسود جسمه، وكيف ينظر إليهم وهو متجه لغرفة العلاج وهو حزين، والكثير من اللقطات الموجعة جداً التي لا نعرف كيف طاوعها قلبها على نشرها أمام الناس، وبهذا الشكل بدلاً من الاكتفاء بوضع صور له وهو بكامل صحته وطلب الدعاء له والترحم عليه دون أن تفطن قد يكون أحد ممن لا يحبه أو يتمنى له الشر رآه وشمت فيه! إلى جانب إغفال خصوصية المريض وحرمة الميت، وهي كلما أمور من الواضح أن هناك حاجة للقائمين على المحتوى العربي في التيك توك إلى نشر ثقافتها والتذكير بها.

فأنت عندما تتابع تيك توك البعض، تشعر وكأنهم يعيشون لوحدهم دون رقابة الأهل أبداً، فتاة تركب خزانة ملابسها، وتقفز على سريرها على شكل الطيران وبطريقة هابطة جداً، فتاة تقوم بشفط الطعام من خلال أنبوب الشراب «عود»، وتقليد أعمى للغرب، وعموماً معظم من في التيك توك يقومون بأداء حركات تعتبر «ترند» مقطع التيك توك في الساحة ويحصل أفضل واحد يقوم بذلك على الإعجاب والدعم والأموال كذلك من خلال البث المباشر، هناك تيكتوتر محتواه الكوميدي هابط جداً يحصل على 200 ألف دولار أي بما يعادل 700 ألف ريال سعودي خلال ثلاث دقائق فقط من جولة التحدي مع تيكتوتر آخر!! ولكم أن تتخيلوا كم عدد الأطفال والمراهقين الذين دفعوا هذه المبالغ من هواتفهم مقابل تفاهات وكوميديا هابطة في ثلاث دقائق، فقط وهذه طامة أخرى. نرى ونحن نمر على العديد من المحتويات المشابهة من حيث الأفكار المتدنية والهابطة، وإن كانت أقوى فكرة غير منطقية شاهدناها محتوى الفتاة التي نشرت خصوصيات والدها المريض المتوفى رحمه الله. إن هناك حاجة لحملات توعوية وتثقيفية في المدارس، فمعظم الجيل الناشئ اليوم متواجد على منصة تيك توك كما من الضروري جداً أن يراقب الوالدان محتويات أبنائهما، بالذات متابعة مع من يقومون بالبث لأنه خلاله قد يدخل أشخاص يقومون باستغلالهم والتغرير بهم، وأن يعملا على توجيه محتوياتهم نحو المحتوى المعتدل إن لم يكن مفيداً وذا هدف، بدلاً من ترك الحبل لهم على الغارب لنغرق كأمة عربية متواجدة في التيك توك بمحتويات صادمة وهابطة ولا تليق بنا كعرب وكمسلمين.