تطرق بعض النواب في الأسابيع الماضية إلى موضوع الفساد المالي وكيف أن وجود شخص فاسد سواء كان مسؤولاً أو موظفاً عادياً سبب من أسباب هدر المال العام وتراجع التنمية في البلاد، ملاحظة ممتازة ولا غبار عليها إلا أنها جزء أقل من الواقع الذي تعكسه قضية الفساد بشكلٍ عام بأي بلد.

هناك جانب أقل تركيزاً من قبل كل الجهات الرقابية والتنفيذية، وهو جانب «الكفاءة» أو بالأصح غيابها، ففي كثير من الأحيان يكون اختيار المسؤولين أو الموظفين بناء على المؤهلات العلمية والخبرات التراكمية وهو أمر ظاهرياً سليم، دون الالتفات إلى قدرة هذا الشخص على تولي هذه المهمة، فلا يعني بالضرورة أن يكون صاحب أعلى مؤهل علمي الشخص الأنسب، فهناك أمور مثل الخبرة الإدارية والإمكانيات الخاصة التي تميز شخصاً عن الآخر.

ومثال بسيط وواقع هذه الأيام، الملياردير إيلون ماسك شخص ناجح بكل المقاييس إلا أنه ومنذ أن تولى رئاسة «تويتر» اتخذ كثيراً من القرارات الكارثية وعلى حساب عناصر كانت سبب نجاح هذه المنصة لسنوات طويلة.

وهذا هو الحال في كثير من المناصب والوظائف التي تعاني من إشكالية فساد ظاهري، وفي الواقع أن الكثير منها حقق تراجعاً وهدراً في المال العام بسبب قرارات لا تنم عن معرفة أو كفاءة أو مصداقية ولا تتعلق بفساد مالي، فتجده يقدم المحسوبية والزمالة على الكفاءة والأفضلية، ويتردد في اتخاذ الإجراءات الصحيحة نتيجة قلة ثقة ورسم صورة إيجابية أمام من هم أعلى منه.

وقبل فترة من الزمن زرت أحد زملائي القدامى «بوراشد» في إدارة أخرى وكانت الإدارة شهدت تغييرات وتنقلات كبيرة على مستوى عالٍ، بعد سنوات شهدنا فيها شخصيات مخضرمة في مجال الإدارة، وسألته عن التغييرات الجديدة والمسؤول الجديد، فقال لي «عنده ما عند يدتي»! لا يفهم من الإدارة إلا ما هو بالكتب. قد لا يكون الشخص هذا فاسداً أو سيئ النية إلا أنه بالتأكيد شخص غير مناسب لهذا المكان.

الخلل المتعلق بالفساد يمكن اصطياده ومحاسبته بسهولة بسبب وجود أدوات وجهات تفتش وترصد مثل هذه التجاوزات، أما التقصير ووجود شخصيات غير كفوءة يفتقر الآليات والحلول حتى الآن، لماذا فقط المسؤول هو من يقيم من هم أدنى منه ؟ لماذا لا يتم تقييم المستوى الإداري للمسؤول من قبل من هم أعلى منه وأقل منه إدارياً.

وقد لا أكون مخطئاً إن قلت إن غياب الكفاءات في المكان المناسب يفتح أبواب ظهور الفساد المالي والإداري.