خلال الحرب الباردة في عام 1957م في 4 أكتوبر استيقظ المجتمع الأمريكي على أزمة حضارية وعلمية عندما نجح الاتحاد السوفيتي في إطلاق أول قمر صناعي «سبوتنيك» والدوران في الفضاء الخارجي، عندها دعا الرئيس الأمريكي أيزنهاور الحكومة الأمريكية لاجتماع طارئ للبحث عن أسباب السبق الذي حققته روسيا في غفلة من الزمن وعلى أثر الاجتماع تم تشكيل فريق للتحقق عن أسباب الإنجاز الحضاري العلمي الذي حققته روسيا ورأس هذه اللجنة وزير التربية والتعليم الأمريكي ميرلاند وقدمت تقريراً عن نظام التعليم في أمريكا بعنوان «أمة في خطر» على أن نظام التعليم في روسيا هو الذي كان وراء هذا الإنجاز العلمي في مجال الفضاء حيث كانت روسيا في نظامهم التعليمي أكثر اهتماماً بعلوم الفيزياء والرياضيات لذا كانت تحيط الطلبة الموهوبين بالرعاية منذ المرحلة الثانوية في هذه المواد العلمية عكس وما يقابله من قصور لدى أمريكا في نظامهم التعليمي في اهتمامهم بالمهندسين وكذلك في ظل تركيزها المحصور على التقدم والتنافس الاقتصادي ولعل أمريكا حينها أدركت أن من يفوز في الفضاء يفوز في الأرض.

بعد خمسة أيام من إطلاق «سبوتنيك 1»، أول قمر صناعي في العالم، ألقى الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور كلمة أمام الشعب الأمريكي. أجاب الرئيس على أحد المراسلين بشأن المخاوف حول إرسال القمر الصناعي السوفيتي إلى الفضاء: «الآن، بالنسبة للقمر الصناعي نفسه، هذا لا يثير مخاوفي، ولا حتى بمقدار ذرة واحدة» وكذلك قدم أيزنهاور الحجة التي مفادها أن سبوتنيك هو مجرد إنجاز علمي وليس تهديداً عسكرياً أو إشارة إلى تغير في السلطة العالمية. وأعرب أن وزن سبوتنيك «لم يكن متناسباً مع أي شيء ذي أهمية عسكرية كبيرة، وكان ذلك أيضاً عاملاً ساهم في وضعه ضمن منظوره».

ومن هنا اتجهت أمريكا بإصلاح التعليم وبدأت الدراسات والبحوث العلمية في مجال الإبداع والموهبة والابتكار وبذاك تمكنت أمريكا من إنشاء وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» وحققت سبقاً حضارياً على روسيا بإنزال فريق من رواد الفضاء على سطح القمر ووكالة لمشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة، والذي أصبحت مهمتها منع أي مفاجأة تقنية تضر الأمن القومي الأمريكي، بدأت رحلة إصلاح التعليم في أمريكا عندما أدركت مدى التقدم العلمي لدى العلماء السوفييت.

لذلك عندما تأتي الدعوة الى العناية بالمتفوقين والموهوبين لا تأتي من فراغ أنما تاريخ النظر الى الأسباب التي تقف وراء تطور الأمم هو الذي يثبت لنا ذلك ولا يمكن لأي دولة في العالم أن تكون لها خصوصيتها التامة في اختيار نظام التعليم إلا في جوانب ثقافية معينة إنما التعليم حقائقه ثابتة في كل زمان ومكان.