لا أعتقد أن مناقشة الميزانية ستنتهي في جلسة واحدة عند النواب، ثم أن هناك الشورى أيضاً يحتاج لعدة جلسات إلى أن نصل إلى مرحلة التصويت، الخلاصة أمام الحكومة فرصة كافية من الوقت لشرح وجهة نظرها للرأي العام فلا تترك الساحة فقط للسلطة التشريعية هي التي تخاطبه.

لا طعناً في خطاب السلطة التشريعية حاشا لله، إنما من حق المواطن أن يستمع إلى وجهة نظر الحكومة أيضاً في آلية تفكيرها وما هي دوافعها لهذا التوزيع وكيف تمت المفاضلة بين الخيارات، وما هي تبعات أي تعديلات تقترحها السلطة التشريعة.

ما تعودنا عليه في هذه الفترة دائماً أن يكون هناك زخم في خطاب السلطة التشريعية وبالأخص من النواب موجه للمواطنين، فتكثر تصريحات النواب للصحافة وتصريحات أعضاء اللجنة المالية أو رئيسها، واستضافة للأعضاء في المجالس خاصة أنها رمضانية فيكثر فيها الحضور ناهيك عن نشاط العضو البرلماني على وسائل التواصل الاجتماعي واستخدام منصاته الخاصة، وهذا حقه وحق المواطنين عليه بل ويلام إن لم يفعل.

إنما دائماً ما لا يتسق ذلك الزخم مع الخطاب الحكومي لا كماً ولا نوعاً، إذ تكتفي الحكومة بما تقدمه للجان في اجتماعها معهم من تفسيرات وشرح وتبريرات لأعضائها، ثم تكتفي ببعض الردود المقتضبة في الجلسات، ولو أجرى أحدنا إحصائية مقارنة لكم التصريحات بين الطرفين لوجدها ما يقارب التسعين في المائة لصالح السلطة التشريعية و 10 في المائة للسلطة التنفيذية (ذلك انطباع أولي فقط غير دقيق) إنما بالإمكان رؤية الفارق الشاسع بالعين المجردة.

لدى السلطة التنفيذية فرصة الآن لإعداد خطاب للمواطنين موزع على فترات وعلى عدة وزراء يتولون مسألة الحديث المسهب عن الخيارات وتفاضلها ومبررات اتخاذها للحديث إلى المواطن لا إلى السلطة التشريعية فحسب.

خطاب يبرز فيه تفهم الحكومة وأعضائها احتياجات المواطنين خاصة أن تلك هي توجيهات جلالة الملك، خطاب لا يستهين بأوضاع من معاناة الأسر التي أهلكها الغلاء وقضم من طبقتها الوسطى الكثير، ويراعي حجم القروض الشخصية التي أخذ الكثير منها لإكمال احتياجات الشهر الضرورية وخطاب يعتمد على التبسيط مع الشرح المفصل، وبالأخص توزيع الدعم المباشر وغير المباشر ليضعه في قالب مفهوم للناس، وخطاب يبين فيها المتحدث تبعات القرارات التي ستتخذ أياً كانت.

فالنجاح لا يقاس في إقرار الميزانية بالتصويت عليها في السلطة التشريعية، كما أن النجاح ليس في التوافقات بين السلطتين فحسب، بل النجاح هو اقتناع المواطن أيضاً أو على الأقل تفهمه أو على الأقل النسبة الكبيرة منه بأن الخيارات التي تم التوافق عليها هي فعلاً الأفضل وهي فعلاً الممكنة وليست هناك خيارات غيرها.

الاهتمام بالتواصل مع المواطن ضرورة ملحة لعمل أي حكومة من أجل أن تعمل أي حكومة في أجواء مريحة تخفف من حدة التذمر ولا تترك مساحة لمن يريد أن يباعد بينها وبين المصلحة العامة.