- يقول الأديب غازي القصيبي رحمه الله في كتابه النفيس (حياة في الإدارة) الذي قيل عنه «ستار لحياة كثيرة الإنجاز»: «لا أؤمن بالحلول العاجلة. لا أؤمن أن للنجاح أي سبيل سوى التخطيط الهادئ والتنفيذ الصحيح. إذا كان لا بد من استخدام تعبير بلى من كثرة الاستخدام كنت أؤمن أن الأسلوب الأمثل هو «الإدارة بالأهداف». وجدتُ نفسي مدفوعاً دفعاً إلى أسلوب آخر: «الإدارة بالأزمات». كنت أضطر إلى اللجوء إلى حل عاجل بعد حل عاجل».

- سنة تلو أخرى تمر على الإنسان في محيط عمله، ومعها تتعدد خبراته وتنضج شخصيته القيادية، ويعرف كيف يتصرف مع مختلف المواقف الإدارية التي تمر عليه في محيط عمله. من عرف كيف يعمل بصورة صحيحة وبصدق وإخلاص ونية لا تشوبها شائبة، استدل إلى تلك المقومات الصائية التي تقودها للنجاح والتميز، وأيقن أنه «قائد فذ» في تلك المساحة التي يعمل بها أياً كانت وظيفته ومهام عمله. النضج الإداري يتطلب أن تعي دورك الذي جئت من أجله، وتعي أهمية الأثر الجميل والتغيير المرجو الذي تتركه في عملك حتى إن جاء وقت «الرحيل» صفق لك الجميع وأضحت لمساتك فصولًا إدارية تسطر بماء من ذهب في حياة الأجيال. ليست الساعات التي تقضيها في العمل مجرد «مجالس لشرب الشاي وتداول أطراف الحديث حول شجون الحياة»، وليست مجرد نزهة تقضيها في زيارة المكاتب وإلقاء التحايا والانتقاد اللاذع لمحيط العمل والغيبة والنميمة لمن يعمل معك، وليست مجرد استئذانات لا حصر لها ولا عد تقضي من خلالها أعمالك الخاصة التي لا تدخل في إطار «استئذان الطوارئ» وليست هذه الساعات نزهة تقضيها في شبكات التواصل الاجتماعي وإرسال الرسائل على مجموعات «الواتساب». إنها ساعات للأثر الذي سيعود عليك بالنفع الجميل، وساعات للسعادة بالإنجاز والمبادرات والارتحال من عمل إلى آخر إلى أن تحين ساعة المغادرة، وساعات للنفس الإيجابية المتفائلة الطموحة العاشقة لمحطات جديدة من التحدي. وماذا يعني لك التحدي؟ يعني أنك تستثمر طاقتك في أعمال جديدة ووظيفة جديدة بعد أن تشعر أنك بحاجة إلى التجديد لتنشر ثقافتك الإدارية التي تعلمتها ولتستفيد من مساحات أخرى تنعش فيها نفسك. التحدي الذي يجب أن يكون في رحلتك في «المسير الإداري» فتعشق أي تجربة جديدة مفيدة تترك فيها الأثر الجميل.

- بحثت عن مكاني في تلك الصورة التي تم تصويرها في فترة ما وفي مكان أعشقه فلم أجد ما تمنيته، فكرت أين كنت حينها؟ ولماذا لم أتواجد في تلك الصورة الجماعية الحلوة التي ظلت إلى اليوم ذكرى من ذكريات الحياة. فقلت إما كنت «مُصوراً» لتلك الذكرى الجميلة وحينها ابتسم لي الجميع ودعا لي بدعوة جميلة يستذكر فيها كل الصور التي عكستها في ذاكرته، وإما قد أخذتني «الغفلة» فغبت عن تلك اللحظات الأخرى بسبب أو لآخر. حينها قررت أن أكون دائماً ذكرى في أي صورة تلتقط، ولعلي أجمع بين الحسنيين بأن أترك الانعكاس لوحده يختزل الذكرى في ذاكرتي وذاكرة الآخرين.

- عندما تعمل مع البعض تجد أبسط كلمة يمكن أن يقولها «مشي الحال» أو «نخجل منه» أو أن «العلاقات هي الأهم»، مثل هذه الكلمات المختصرة وغيرها، تصطدم في كثر من الأحيان بالقاموس الإداري الذي يجب أن يكون قائماً على بعض المبادئ المهمة التي لولاها لانتشر الفساد وعمت الفوضى وأضحت الأساليب الإدارية مجرد أياد عابثة «بالإنجاز المؤتمن». وعندما نقول المؤتمن فإنما نؤكد على «أمانة العمل» التي كلفنا بها الله تعالى أولاً قبل أي مسؤول فلا نتعدى على «قدسية الخلافة في الأرض» والتي هي التفويض الأسمى من المولى الكريم لكل مسلم يبتغي رضا ربه سبحانه وتعالى. إنها «أمانة» التكليف في كل مهام عمل وقرار وتوجيه فلا ينبغي حينها أن نعبث بتلك الأدوات التي سخرت لنا، ويسيل لعابنا حول كل فائدة «شخصية» تُنسينا دورنا الأهم في «الإعمار وترك الأثر».

ومضة أمل

بعد كل انتظار يصحبه معية الرحمن والقرب إليه، سيأتي الفرج بلا ريب والخبر المفرح السعيد، فلا تستعجل.