دعوات البعض إلى رفض اتفاقات السلام مع إسرائيل أو ما صار يعرف بالتطبيع لا تختلف عن دعوات مقاطعة بضائع أي بلد يحدث أن يقوم فيها أحمق بالإساءة إلى الدين الإسلامي بفعل أو بقول. هذه حقيقة. والحقيقة الأخرى هي أنه كما أن الدين الإسلامي الذي انتشر في كل العالم في القرون الـ14 الماضية واستمر لا يمكن أن يتأثر بقيام أخرق في هذا البلد أو مجنون في ذاك بإحراق نسخة من القرآن المنزل من الرحمن على نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، كذلك فإن اتفاقات السلام الموقعة بين دول لا تتخذ قراراتها اعتباطاً لا يمكن أن تتأثر أو تتعطل بدعوة سين أو صاد من الذين ينظرون إلى الأمر من زاوية ضيقة إلى رفضها ورفض التواصل مع دولة إسرائيل التي هي اليوم جزء من المنطقة ومؤثرة فيها شئنا أم أبينا.

ردة الفعل على التصرف المشين المتمثل في حرق نسخة من القرآن الكريم أو نشر رسوم كاريكاتير مسيئة أمر طبيعي، سواء كان بإصدار بيانات التنديد والشجب والاستنكار أو الخروج في مسيرات في بعض البلدان، لكن ينبغي ألا يصل الأمر إلى حد مطالبة الدول العربية والإسلامية بمقاطعة تلك الدول وإلغاء ما بينها من اتفاقات أو الدعوة إلى مقاطعة منتجاتها، ليس فقط لأن دولنا تعتمد في حياتها على الاستيراد من كل مكان، ولكن لأن المقاطعة غير مجدية، والتجربة أثبتت أنها تنتهي قبل أن تؤثر، إذ سرعان ما ينشغل الناس بأمور أخرى. والأمر نفسه فيما يتعلق بردة الفعل على الدخول في حالة سلام مع إسرائيل في وقت لم تحل فيه بعد القضية الفلسطينية.

من الأمور التي ينبغي أن يدركها ذلك البعض الذي تنقصه المعلومة والرؤية أن السياسة والمصالح تفرضان على الدول عدم التفريط في علاقاتها بسبب سلوكات أفراد معتوهين، ولا يمكن للدول أن تلغي اتفاقات تفرضها السياسة والمصالح فقط لأن بعض المتطرفين لا يدركون أهميتها.