ما أكثر التحديات التي تختار وزارة الداخلية أن تخوضها في مملكتنا، لقد عهدتُ الشيخَ راشد بن عبدالله آل خليفة إنساناً مكافحاً مصراً على أنّ المستحيل ليس موجوداً في قاموسه، وإلا، فمن ذا الذي يراهن على تغيير العقول؟

ثلاثة عشر عاماً والإصرار يقوى ولا يخفت على أنه بالإمكان الوصول لعقول الشباب رغم صعوبة هذه المهمة على البيت وعلى وزارة التربية، إلا أن وزير الداخلية أصر على أنه حتى وزارته الأمنية قادرة على أن تصل وأن تحقق تغييراً، فتلك هي الوقاية التي تكون خيراً من ألف علاج.

ثلاثة عشرَ عاماً مضت على بدءِ برنامج «معاً» منذ انطلاقه عام 2011، وهو برنامج تبنّته وزارة الداخلية، ويستهدف فئة الشباب بغاية مكافحة آفتَيْ العنف والإدمان عبر الولوج لعقول الشباب، البرنامج صممته منظمة أمريكية تدعى «دير»، إنما حين تبنته مملكة البحرين عملت على تطويعه ليناسب البيئة المحلية، فأضافت آفة التطرف والتعصب، وهما أيضاً من الأمراض التي تقود إلى العنف والاضطرابات الأمنية.

التجربة البحرينية لهذا البرنامج كانت مميزة عن بقية التجارب الدولية إذ اعتبرت المنظمةُ النموذجَ البحرينيَّ من أنجح النماذج بنسخها الدولية.

وخلال هذه الأعوام دربت وزارة الداخلية 100 شرطي وشرطية على تنفيذ هذا البرنامج، أي إنّ العديد من العناصر الأمنية من النساء والرجال انخرطوا في هذا البرنامج مع الشباب من الجنسين.

وفي أثناء تطبيق البحرين للبرنامج تعلّمت وعلّمت كيف تطور وسائل تفاعلها مع فئة هي من أصعب الفئات تعاملاً؛ أي فئات المراهقين، فعدا المحاضرات التلقينية قامت بعمل ورش عمل تفاعلية بين المنفّذ والطالب في الصف والأنشطة اللاصفية وكذلك الأنشطة المنزلية التي يتعاون فيها الطالب مع ولي الأمر، والأفلام التوعوية القصيرة والقصص المشتقة من المنهج الدراسي التي تعرض في مجلات الأطفال.

وكما نعلم فإن هذه فئة تقضي يومها كلَّه داخل قوقعتها مع الألعاب الإلكترونية، وفي كل ما يمكنه أن يكون منفذاً لتسرب السلوكات العنيفة والخاطئة فقام البرنامج باقتحام هذه الفقاعات المغلقة

1- تم تحويل المحتوى الدراسي إلى ألعاب إلكترونية تفاعلية.

2- استخدام العالم الافتراضي لإنشاء معرض أمني توعوي.

3- استخدام حافلة ذات محتوى إلكتروني.

4- إنتاج دروس متلفزة يمكن الاستفادة منها عبر الموقع الإلكتروني.

5- التطبيقات الذكية.

جميع هذه الجهود يمكن أن تكون بلا جدوى لولا أن التقييم الجدّي لها هو الذي يرشدك إن كنت تجني ثماراً أم تزرع في أرض بور؟

أجريت الدراسة التقييميّة على مدى ثلاث سنوات، وشارك فيها أكثر من 4 آلاف طالب وطالبة من 20 مدرسة إعدادية وثانوية للبنين والبنات لقياس مدى الاستفادة.

وتم التركيز على «التعصب» في المرحلة الإعدادية كسلوك خاطئ يؤدي للعنف وتحديد أنواعه والتعرف على سماته وآثاره وكيفية تجنبه، بالإضافة إلى التعرف على مفاهيم التعصب في الألعاب الإلكترونية وتحديد علاماته الناتجة عن هذه الألعاب وتعلم طرق الوقاية منه، كما يوجه لتعريف التعصب في وسائل التواصل الاجتماعي مع شرح للعلاقة بينهما وتحديد أسبابه وأنماط الوقاية من آثاره وعلاجه.

أما منهج المرحلة الثانوية فركز على التطرف وأنواعه وهو يهدف إلى تعريف الطلبة بمفهوم التطرف ووصف مسبباته من خلال معرفة أنواعه وطرق الوقاية منه، بالإضافة إلى تعريف التطرف السياسي وحصر أسبابه والتطبيق الفعلي لكيفية الوقاية منه باستخدام إستراتيجية رواد القرار، وبجانب ذلك سيتم التطرق للتطرف الاجتماعي وذكر أسبابه ووضع تطبيقات عملية ونظرية لاستنباط أفضل الخيارات واتخاذها.

انتهت الدراسة بنتيجة إيجابية بنتيجة 4,8 من 5 على مقياس ليكرت Likert scale وهو أسلوب مستعمل في الاختبارات النفسية لقياس السلوكات والتفضيلات؛ مما يعني 96٪ استفادة من المهارات المنقولة من شرطي (معاً) للطلبة المستفيدين.

ونتجت عن هذه الدراسة أوراق بحثية وعلمية بين مملكة البحرين والولايات المتحدة الأمريكية، وسيتم نشرها في المكتبات الإلكترونية والجامعات العالمية للاستفادة من الدراسة الأكاديمية كمرجع للدراسات المستقبلية وإمكانية أي جهة الاستكمال على نتائج الدراسة في المستقبل.

إنما هل يتعامل البرنامج مع حالات فردية لعلاجها؟ أم يهدف للتوعيه فقط؟

اتضح أن البرنامج يهدف للوقاية من الظواهر السلبية إلا أن الأفراد المنفذين للبرنامج مؤهَّلون ومدرَّبون للتعامل مع بعض الحالات الفردية التي يتم اكتشافها في المدرسة والعمل مع الاختصاصيين الاجتماعيين والإدارة المدرسية في وضع خطط علاجية يعمل عليها جميع الأطراف لتحقيق الدعم اللازم للفرد والمجموعة.

بعد 13 سنة انخفضت نسبة السلوكات السلبية عند الطلبة بنسبة 56٪.

أفلا يحق لنا أن نحتفي نحن بهذا الإنجاز البحريني، وأن نشد على يد 100 عنصر من رجال ونساء الأمن، وعلى من يقود هذا العمل الجبار الوكيل الشيخ هشام بن عبدالرحمن آل خليفة وصولاً لمعالي الوزير؟

شكراً لكل يد ساهمت فيه، ويستحق أن نسلط الضوء عليه إعلامياً أكثر كي يساهم المجتمع بتقديم العون والمساعدة لمزيد من النجاح.