يبدو أن دول العالم واللاعبين الرئيسين ينتظرون حدثاً مهماً في العام المقبل، وهي الانتخابات الأمريكية، وقد يكون هذا الموضوع أمراً معتاداً لمن يقوم بتتبع الأخبار والتقارير فإن بعض الدول تنظر للأمر بأنه فرصة مناسبة لاستغلال ذلك سواء بتحقيق مصالحها أو وقف أي خطوات قادمة مع الإدارة الأمريكية حتى تتضح الرؤية.
فدول الخليج العربي بدأت بالفعل باتخاذ نهج مغاير عن الانتخابات السابقة، لأن الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس جو بايدن قد اقتنعت بأن دول مجلس التعاون تمثل شريان حياة للطاقة بالعالم من جانب ومن جانب آخر تحافظ على تداعيات التضخم في أمريكا عبر زيادة الإنتاج النفطي والخطط التي تم إعدادها مسبقاً أصبحت بلا قيمة بشأن الانسحاب من الشرق الأوسط أو حتى المضي بمخطط تقسيم المنطقة لأنها في نهاية المطاف لا تخدم المصالح الأمريكية ولا تعزز الفرصة للرئيس بايدن إذا أراد ولاية رئاسية ثانية.
أما الملف الإيراني، والذي تعتبره الإدارات الأمريكية من الملفات المعقدة، فبعد صفقة الأسرى فإن إدارة جو بايدن قد صعبت المهمة لأي رئيس جمهوري قادم، بمعنى أن الإدارة الحالية تسعى لتوقيع اتفاق صامت لوقف تخصيب اليوارنيوم بأسرع وقت ممكن حتى لا تصل طهران إلى صناعة سلاح نووي مما يعني انتشاراً نووياً في منطقة الشرق الأوسط وهذا ما أكدته السعودية أكثر من مناسبة ومنها مؤخراً في لقاء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء، مع قناة فوكس نيوز بأن الرياض لن تتأخر في امتلاك سلاحها النووي في حال حصول إيران عليه.
فيما يتعلق بالملف الروسي الأوكراني، فإن موسكو تتخذ خطواتها بحذر وبنفس الوقت تحافظ على مكتسباتها من الصراع لأنها ترى بكل بساطة أن مستقبل ذلك سيكون محسوماً في صناديق الاقتراع في أمريكا، فالجمهوريون يسعون لوقف التصعيد والتركيز على الصين فيما يرى الديمقراطيون أن استمرار التصعيد هي فرصة لإضعاف ثاني أقوى جيش بالعالم وتحقيق رؤيتهم في تعزيز النفوذ الغربي، ولكن في نهاية المطاف فإن الرئيس فلاديمير بوتين يبدو أنه اتخذ قراراً بعدم الاستمرار بالتقدم في الأراضي الأوكرانية والحفاظ على ما تحقق وانتظار اللحظة المناسبة بعد الانتخابات الأمريكية غير أنه قد يجبر بتغيير استراتيجيته في الصراع في حال تهديد موسكو العاصمة مما يتطلب أن يتخذ خطوات مؤلمة لأوكرانيا وللعالم.
وبالنسبة للصين، فإن بكين تنظر للانتخابات الأمريكية القادمة ليس بالصورة التي ينظر لها باقي العالم، فهي مستهدفة من قبل الحزب الديمقراطي والجمهوري، فهي قامت مؤخراً بصناعة هاتفها الهواوي باستخدام رقاقتها الإلكترونية 7 نانومتر والتي تعتبر ضربة موجعة للعقوبات الأمريكية التي منعت عصب التكنولوجيا والاتصال الصيني من استخدام أحدث الرقائق الإلكترونية بهدف تعطيل تقدم الشركة، كما أن الصين تراقب حالياً نتائج الانتخابات التايوانية مع بدء العام المقبل لتتخذ قرارها في التعامل مع ملف الصين الواحدة.
خلاصة القول، إن العالم ينتظر نتائج انتخابات 2024، حيث إن النهج الأمريكي سواء كان الفائز ديمقراطياً أو جمهورياً لن يتغير، ولكن الذي يتغير هي كيفية الوصول للأهداف الاستراتيجية لواشنطن، فكل الرؤساء والإدارات السابقة عملوا على هدف رئيس وهو زيادة الهيمنة والسيطرة ولكن لكل إدارة لها أسلوبها وطرقها لذلك مما يجعل أغلب دول العالم بوضع «الصامت».