عندما تلقيت خبر وفاة أخي الشهيد على الحد الجنوبي، منذ ما يربو على العام، وقع علي الخبر كالصاعقة، شريط من الذكريات مر سريعاً أمام عيني. ضحكاته وكلامه وأسلوبه وأحلامه التي كان يتمناها.

انهارت دموعي دون قدرة مني على السيطرة عليها، هل مات؟ هل رحل عن الدنيا؟ كيف ستكون حياة زوجته الشابة وابنه الذي لم يتجاوز الشهور؟ كيف سيتلقى والده وزوجته هذا الخبر المؤلم؟

سيل من الأسئلة الكثيرة دارت في مخيلتي لم يوقفها سوى كلمات أخي الكبير، حينما قال «لم يمت أنه استشهد، وشتان بين الموت والاستشهاد. إن الفناء والموت حق، وكلنا راحلون من هذه الدنيا الفانية، ولكن العبرة تكمن في كيف ترحل من هذه الحياة، وكم رائع أن تستشهد من أجل قضية وهدف»، وأردف كلامه قائلاً «أتمنى أن أنال الشهادة أنا الآخر، لا نريد دموعاً رغم الحزن الذي يعترينا، بل نريد أن نفتخر بشهيدنا».

رغم مرور أكثر من عام على رحيل أخي الشهيد، مازال ألم الفراق موجعاً ولكننا نشعر بالفخر والعزة كون أن أخانا استشهد أثناء الدفاع عن وطنه وخلال حماية الحد الجنوبي.

التمست هذا الفخر بعد استشهاد أشقائنا الإماراتيين والذين كانوا ضمن وفد مكلف بتنفيذ المشاريع الإنسانية والتعليمية والتنموية في جمهورية أفغانستان إثر التفجير الإرهابي الذي وقع في مقر محافظ قندهار، هؤلاء الذين كانت آخر أعمالهم هو «عمل الخير». والتمست فخر أهاليهم باستشهادهم، ولعل أكثر ما شدني ما كتبته الدكتورة أمل الحمادي، زوجة المستشار الدبلوماسي في سفارة أفغانستان، عبدالحميد سلطان الحمادي، وهو أحد الشهداء الذي لقوا حتفهم في قندهار، حيث عبرت عبر حسابها بموقع «إنستغرام»، «هنيئاً لكم أولادي بشرف استشهاد والدكم». وقالت «إنا لله وإنا إليه راجعون»، لكم الشرف يا أولادي بوفاة أبيكم شهيداً في مهمة وخدمة للوطن وفي تنفيذ مشاريع وأعمال الخير، الله يرحمه ويزفه في زمرة الشهداء والصديقين، ويبارك فيكم ويجعلكم خير خلف له».

ولا عجب مطلقاً من كمية الفخر الذي حملته الدكتورة أمل الحمادي أرملة الشهيد عبدالحميد الحمادي رحمه الله، فكلنا كمؤمنين نسأل الله حسن الخاتمة. وكيف لا نفخر ونعتز إذا كانت خاتمة شهدائنا رحمهم الله في عمل الخير ومساعدة الضعفاء.

فهنيئاً لشهدائنا ولأهاليهم نيل الشهادة، وهنيئاً لهم «حسن الخاتمة»، ونسأل الله أن يتقبل شهداءنا ويرزقهم الدرجات العلى من الجنة. وأن يسبغ على ذويهم الصبر والسلوان.