أيمن شكل




حذر علماء شريعة من الإسراف والتبذير، ووصفوه بالداء الفتاك الذي يهدد الأمم والمجتمعات، ويبدد الأموال والثروات، منوهين إلى أن الإسراف يشمل جميع التعديات، التي يتجاوز بها العبد أمر الله وشرعه.


وأشاروا لـ«الوطن» إلى أن الإسلام وضع نظاماً مالياً يهدف إلى تحقيق التكافل الاجتماعي والحياة الكريمة للأفراد، وذلك من خلال 10 قواعد لفن إدارة المال في الإسلام.

وأكد إمام وخطيب جامع سبيكة الأنصاري د. الشيخ إبراهيم الحادي، أن المال زينة الحياة الدنيا ومتاعها، وهو إما أن يكون نعمة لصاحبه إن صرف في طاعة الله تعالى وإما نقمة على العبد؛ إن استخدم في معصية الله عز وجل.

ولفت إلى أن الزكاة ركن مالي من أركان الإسلام باعتبارها مالاً وعبادة مالية، وأن الواجب على المسلم كسب المال من الطرق الحلال والمشروعة، وصرفه أيضا في الطرق المشروعة.

وأوضح الحادي، أن الإسلام وضع مبادئ للمحافظة على الأموال، فكانت أولى هذه المبادئ؛ إخراج حقوق الله تعالى من المال، وحدد الإسلام وسائل لحفظ المال منها الاعتدال في الإنفاق ومحاربة الإسراف.

ونوه بأن الاعتدال في الإنفاق يشمل الملبس، والمسكن، والمناسبات الاجتماعية، ويمتد حتى شمل المهور، وكذلك الجنائز وما يتبعها، باعتبار أن الإسلام نهى عن الإسراف؛ لما فيه من تضييع للأموال وتضييع مصلحة الأفراد والجماعات.

وبين الحادي أن الشرع قرر قواعد عامة في قوله تعالى: «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما»، موضحاً أن الآيات التي وردت في القرآن الكريم دلت على أن عدم الإسراف يشمل الطعام والشراب والمسكن وغيرها، كما أن الأحاديث حثت على عدم الإسراف، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث منجيات: وذكر منها: القصد في الفقر والغنى، وثلاث مهلكات: هوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب المرء بنفسه)، ودليل ذلك دعوة المسلم للاعتدال في الإنفاق فنهي مثلا عن الأكل والشرب من آنية الذهب والفضة.

ولفت إلى وسائل المحافظة على الأموال، بتحريم الربا، والرشوة والسرقة والميسر وهو القمار، بينما حث الإسلام على كتابة الديون، وأداء أموال الميراث، مشيراً إلى وجود أهداف للنظام المالي في الإسلام، ومنها تحقيق التكافل الاجتماعي، وتحقيق الحياة الكريمة للأفراد، وتوفير وسائل وطرق الكسب الحلال، كما أمن الإسلام حقوق غير المسلمين فيما يتعلق بالنظام المالي، كما حرم الإسلام كنز المال دون إخراج زكاته، وحذر من ذلك بالوعيد الشديد.

وأشار خطيب جامع سبيكة الأنصاري إلى قواعد فن إدارة المال وحفظه من الضياع، وحصول البركة من الله فيه، وأولها أن يكون المال حلالا طيبا لقوله تعالى «يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم»، وثانيها ﺗﺮﺗﻴﺐ ﺍﻷﻭﻟﻮﻳﺎﺕ في الإنفاق وتقديم الأهم، فهناك ضروريات وحاجيات وكماليات، وثالثها الاﻗﺘﺼﺎﺩ في الإنفاق، ورابعها ﺍﻟﺘﺸﺎﻭﺭ في إدارة المال فما ندم من استشار، وخامسها ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ بما في اليد ففي الحديث: «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب».

وأكد أن سادسها ﺍﺳﺘﺸﻌﺎﺭ ﺍﻟﻤﺴؤﻮﻟﻴﺔ ﻋﻤﻦ ﺗﻌﻮﻝ، وسابعها ﺍﻻﺳﺘﺜﻤﺎﺭ ﺍﻵﻣﻦ ﻭﻟﻮ ﺑﻤﺒﻠﻎ ﻗﻠﻴﻞ لقوله تعالى: «وأحل الله البيع وحرم الربا» وثامنها ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ فقال ﺗﻌﺎﻟﻰ: «فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا»، وتاسعها ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻟﻬﺪﺭ والإسراف ﺍﻟﻤﺎﻟﻲ والنظر في أسبابه، وعاشرها ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ومن ذلك طلب الرزق والبركة فيه.

بدوره أوضح خطيب جامع مبارك وفاطمة كانو، رائد عبيد أن من فضل الله تعالى على المسلم أن شرع له دينا قيما، وجعل المسلمين بين الأمم أمة وسطا في الأحكام والشرائع وفي الآداب والفضائل، وقال إن من معالم تلك الوسطية المباركة ما ذكره الله تعالى في كتابه، عند ذكر صفات عباده، «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما»، أي كانوا في نفقاتهم الواجبة والمستحبة على العدل والوسط، فعباد الرحمن هم الحكماء العدول في نفقاتهم، لا يتجاوزون ما حده الله وشرعه، ولا يقصرون عما أمر به وفرضه.

وأشار إلى أن الناظر في أحوال كثير من الناس اليوم يرى ويشهد غياب هذه الخصلة في جوانب عديدة من حياة الناس، فكم هم الذين تورطوا في الإسراف والتبذير في جميع الشؤون والأمور، إسراف في المآكل والمشارب، إسراف في الملابس والمراكب، إسراف في الشهوات والملذات، فقد نهى تعالى عن الإسراف والتبذير في آيات كثيرة، فقال: «ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين»، وقال جل ذكره: «ولا تبذر تبذيرا* إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا»، وقال سبحانه: «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا»، وقال تعالى: «وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار».

وأشار إلى الأحاديث النبوية وما ورد فيها من نهي عن الإسراف في المآكل والمشارب والألبسة، فقال «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا من غير سرف ولا مخيلة»، ونهى عن الإسراف في الوضوء، فقد توضأ النبي ثلاثا ثلاثا، ثم قال: «هكذا الوضوء، فمن زاد عن هذا فقد أساء وتعدى وظلم».

وأكد خطيب جامع مبارك وفاطمة كانو أن الإسراف والتبذير داء فتاك، يهدد الأمم والمجتمعات، ويبدد الأموال والثروات، ويؤدي بصاحبه إلى الكبر وطلب العلو في الأرض، ويؤدي إلى إضاعة المال، وتبديد الثروة، مشيراً إلى حديث المغيرة قال: سمعنا رسول الله يقول «إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال»، والإسراف إضاعة للمال، وقوله صلى الله عليه وسلم «إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة».

كما بين أن الإسراف سبب من أسباب الضلال في الدين والدنيا، وعدم الهداية لمصالح المعاش والمعاد، حيث قال تعالى: «إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب»، وقوله سبحانه: «أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين»، وقوله سبحانه كذلك «زين للمسرفين ما كانوا يعملون»، ولفت إلى أن من عقوبة الله تعالى للمسرفين أن جعلهم إخوانا للشياطين، فقال سبحانه: «ولا تبذر تبذيرا * إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا».

كذلك أوضح عبيد أن الإسراف يشمل جميع التعديات، التي يتجاوز بها العبد أمر الله وشرعه، سواء كان ذلك في الإنفاق أو في غيره، لقوله تعالى: «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون»، واختتم بالقول: إن الله عز وجل أنعم علينا نعما عظيمة كثيرة، فكان من ذلك أن أغنانا بعد فقر، وأطعمنا بعد جوع، وهدانا بعد ضلالة، وفتح لنا من أبواب الخير، وسبل الرزق، ما لم يكن لنا على بال، فلنشكر الله تعالى على ذلك حق شكره.