سيد حسين القصاب

ابتُعثت إلى بريطانيا 3 مرات للدراسة في مجال الاتصالات

مسيرتي الدراسية ظلّت في تصاعد حتى بِتُّ من المتفوقين في الثانوية

«كيبل» اتصالات بين البحرين والسعودية أهم مشروع عملت عليه

مجلس أمانة العاصمة 2014 كان تحدّياً كونه التجربة الأولى



"ابتُعثت إلى بريطانيا 3 مرات للدراسة في مجال الاتصالات، وأشرفت على مشروع كيبل اتصالات بين البحرين والسعودية، وكان لي شرف العمل على مشاريع مهمة لمملكة البحرين لتقوية شبكة اتصالاتها، وربطها بالعالم الخارجي"، بهذه الكلمات لخصّ رئيس مجلس أمانة العاصمة صالح طرادة بعضاً من مسيرته في حوار لـ"الوطن"، رغم "حياة في الصغر لم تكن سهلة" على حد وصف طرادة الذي أسهب في الحديث عن الألم الذي اعتصره والمسؤولية التي تحمّلها لدى وفاة والده وهو في سن الثانية عشرة، قبل أن يتحدث عن صعوبة الحياة في طفولته جراء عدم توافر وسائل الراحة الكثيرة الموجودة في وقتنا الحاضر، قبل أن يستدرك أن "ندرتها ربما كانت سبباً مهماً جعلتني أقدّر قيمة هذه الوسائل".
وعن انخراطه في العمل البلدي، قال طرادة إنه يُعدُّ تكليفاً وليس تشريفاً، وإنه يسعى لتوفير كل خبراته ومهاراته التي اكتسبها خلال عمله بمجال الاتصالات والجمعيات الأهلية، في خدمة المواطنين والمقيمين على أرض مملكة البحرين، وفي محافظة العاصمة على وجه الخصوص.
وفيما يأتي نص الحوار الذي أجرته "الوطن" مع رئيس مجلس أمانة العاصمة صالح طرادة:
- من هو صالح طرادة؟
أنا صالح طرادة من مواليد المنامة عاصمة مملكة البحرين، وتحديداً "فريج المخارقة"، وكانت والدتي ربة منزل، أما والدي فهو نجار في سوق المنامة، وأنا الأوسط بين إخواني، حيث يكبرني أخوان اثنان، ويصغرني اثنان كذلك، ولكن مع الأسف الشديد توفي والدي وأنا في الثانية عشرة من عمري، ما جعلني وإخوتي نتحمّل مسؤولية بذل جهد كبير في الدراسة والعمل خلال الفترة الصيفية، وذلك لكي نوفر الاحتياجات الأُسرية، بسبب الوضع الاقتصادي الصعب.
- ما هي ذكريات الطفولة في المنامة؟
كان اللعب بالنسبة للأطفال في "الفريج"، وكنا نلعب العديد من الألعاب المختلفة التي يمارسها الأطفال في الأحياء، وكان لدى الأهالي في الخمسينات نظام، وهو العودة إلى المنزل عند غروب الشمس، حيث كان ممنوعاً علينا أن نتأخر خارج المنزل عندما يحلّ الظلام، وكان اللعب مقتصراً فقط على فترة الظهيرة، ولابد من الإشارة إلى أن الحياة كانت صعبة، وذلك لأن الأمور الترفيهية كانت بسيطة نسبياً مع ما يشهده العالم اليوم، بالإضافة إلى مسؤولية النجاح والدراسة ومساعدة الأهل في تنظيم أمور المنزل، حيث كنت وإخوتي نعمل في المنزل، كما كنا نعتمد على القوة الجسدية بشكل كبير، حيث لم تكن هنالك سيارات ووسائل مواصلات، بالإضافة إلى عدم امتلاك الكثير من الأهالي للأجهزة الإلكترونية كالتلفزيون والثلاجة، وهذا ما جعلنا نقدّر قيمة الأشياء، وأن نكون ممتنين لها، كالماء والكهرباء والتلفزيون والسيارة والدراجة.
- كيف تصف الحياة في ذلك الوقت؟
كانت الحياة صعبة على الجميع، حيث إنه يجب على الجميع المكافحة من خلال الدراسة والعمل لتأمين احتياجاته، وقد عملت وأنا في المرحلة الإعدادية خلال المرحلة الصيفية في محلّ تجاري في سوق المنامة، وكان محلاً مختصاً للبيع والشراء، وجعلني صاحب المحل مساعداً له، ومن الجيد أن سوق المنامة كان المكان الرئيس للتجارة في مملكة البحرين، بالإضافة إلى قرب السوق من "الفرضة"، التي يقع محلها الآن مرفأ البحرين المالي، ولما كانت تأتي السفن التجارية، كان العاملون والمسؤولون يتبضعون من سوق المنامة، ما جعل السوق في حالة حركة مستمرة.
- كيف كانت الفترة الدراسية؟
بدأت دراستي الابتدائية في مدرسة السلمانية، وكانت قريبة من منزلنا، وكنت أمشي يومياً من المنزل إلى المدرسة، وكذلك الحال مع المدرسة الإعدادية وهي مدرسة أبو بكر الصديق، وأما في المرحلة الثانوية، فدرست في مدرسة الحورة، ولكن لم تكن قريبة من منزلي، وهذا ما جعلني أضطر إلى أن أذهب وأعود على دراجة هوائية، وأنا أرى نفسي محظوظاً بأساتذتي خلال فترة دراستي، حيث إنهم كانوا شديدين، ويحرصون على أن نتعلم الدروس كاملة، وأن نؤدي فروضنا، ما لا يجعل للطالب أي مجال في التخلف عن الدراسة بسبب العقاب.
- كيف كان مستواك الدراسي؟
في الحقيقة لم أكن طالباً متفوقاً في المرحلة الابتدائية، لا أقول إنني كنت طالباً سيئاً، ولكن لم أكن طالباً متفوقاً أيضاً، ولكن كان مستواي التعليمي يتحسن مع كل مرحلة دراسية، حيث تحسن مستواي الدراسي في المرحلة الإعدادية عن المرحلة الابتدائية، كما تحسّن أكثر في المرحلة الثانوية، حيث كنت من ضمن 40 طالباً من المتوفقين.
- حدثنا عن فترة ما بعد الدراسة.
تخرجت في الثانوية العامة عام 1969، ومن حسن حظي أنني توظفت بسرعة، ولم أنتظر طويلاً، وحصلت على فرصتي للتوظيف، الأولى في شركة بابكو، والأخرى في شركة "كيبل آند وايرلس"، ولكنني اخترت "كيبل آند وايرلس" لأن التوظيف كان أسرع من "بابكو"، حيث كانت "بابكو" ستوظفني بعد عدة أشهر. وبدأ مشواري في شركة كيبل آند وايرلس، وحصلت على فرصة الابتعاث إلى بريطانيا بعد عام واحد للدراسة في مجال الاتصال، وبعدما أتممت الدراسة تم تعييني في بعض أقسام الشركة. ومن أهم الأقسام التي عملت بها قسم "محطة الأقمار الصناعية"، وكان في رأس أبو جرجور، وابتعثت بعد فترة للمرة الثانية إلى بريطانيا للمزيد من الدراسة في مجال الاتصالات، ودرست من عام 1974 إلى 1978 في جامعة تسمى حالياً "جامعة جرينتش"، وقد درست هندسة كهرباء وإلكترونيات، وبعدما عدت إلى مملكة البحرين، عملت في العديد من الأقسام المختلفة في الشركة.
- لماذا تم اختيار صالح طرادة للابتعاث إلى بريطانيا من قِبل شركة "كيبل آند وايرلس"؟
كان للشركة هدف وهو تهيئة مجموعة من الموظفين البحرينيين ليكونوا في الأقسام المهمة، مثل قسم الاتصالات، بالإضافة إلى أقسام الإدارة، وتم اختياري من ضمن المجموعة التي تُبتعث إلى بريطانيا للدراسة، وعندما عدت كنت موظفاً متميزاً، ما جعل الشركة ترسلني إلى الابتعاث للمرة الثانية، ومن ثَمَّ للمرة الثالثة لأكون في الأقسام الإدارية، وبعدها بدأت في العمل على المشاريع الكبيرة للشركة، والتي كانت مهمة جداً على مستوى مملكة البحرين.
- كيف تدرّجتَ في العمل؟
في عام 1981 تغيّر اسم الشركة من "كيبل آند وايرلس" إلى "بتلكو"، وحصلت على فرص للارتقاء في السُلّم الوظيفي، وذلك بسبب كوني موظفاً متميزاً، حيث تدرّجت من مساعد مهندس إلى مهندس إلى رئيس مهندسين، ومن ثَمَّ تمّ ابتعاثي في سنة 1985 للمرة الثالثة إلى بريطانيا، وذلك لدراسة ماجستير في الإدارة، ولما عُدت عملت في الجانب الإداري، حيث تولّيت رئاسة قسم التطوير والمشاريع، وكان يُعدّ أهم قسم عملت به، حيث إننا أدخلنا تقنيات حديثة مثل "الألياف البصرية"، بالإضافة إلى شبكة الاتصالات "الموبايل"، ومن ثَمَّ طورنا من محطة الأقمار الصناعية، وكان لدى الشركة كوابل بحرية ما بين البحرين وقطر والإمارات والكويت، كما أننا عملنا مبنى في سوق المنامة للقوى الاحتياطية في حال انقطعت الكهرباء.
- كيف كان مجال الاتصالات في ذلك الوقت؟
كانت مملكة البحرين تتميز بشبكة اتصالات قوية في ذلك الوقت، وهذا أحد الأسباب المهمة التي جعلت البحرين مكاناً مميزاً للاستثمارات الخارجية، وكانت بيئة محفّزة لهذه الاستثمارات، وذلك بسبب قوة شبكة الاتصالات، وفي عام 1995 بدأنا بإدخال شبكة الإنترنت، وكانت البحرين تُعدّ من البلدان المتطوّرة في مجال الاتصالات مقارنة بالدول القريبة، وخير مثال على ذلك هو أن هنالك العديد من القطاعات تعتمد على قوة شبكة الاتصال في البحرين منذ ذلك الوقت حتى الآن، ومن هذه القطاعات القطاع المصرفي الذي يحتاج إلى البيانات بشكل كبير، بالإضافة إلى قطاع التعليم، وقطاع التجارة، وقطاع السياحة، وفي رأيي أن هذه البنية التحتية القوية هيأت التطور الذي شهدته مملكة البحرين منذ عام 1986 إلى وقتنا الحاضر، وأنا سعيد جداً لكوني أحد المساهمين في بناء شبكة اتصالات قوية، تمكّنت من خلالها مملكة البحرين الارتباط بالعالم، وسهّلت عمليات تبادل قواعد البيانات بين البحرين كمركز مالي واقتصادي ودول عالمية سواء في أوروبا أو أمريكا أو آسيا.
- ما هي أهم المشاريع التي عملتَ عليها؟
كنت مسؤولاً عن أحد مشاريع الاتصال المهمة بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، وذلك في وقت تشييد جسر الملك فهد، حيث وضعنا نظام كيبل الألياف الضوئية على الجسر، والشيء الذي يدعو للفخر كون معظم العاملين على هذا المشروع بحرينيين من ناحية الإشراف والتدقيق والتأكد من أن هذا النظام يعمل بصورة جيدة، ووظيفة هذا الكيبل هو تقنية لترسيل عدد كبير من الاتصالات وقواعد البيانات بين البلدين، وهذا الكيبل إلى الوقت الحالي موجود ويعمل بصورة جيدة، ويسهّل عملية نقل البيانات والمعلومات، وعملت أيضاً على مشروع آخر وهو نفس الكيبل الذي يصل بين أربع دول، هي البحرين وقطر والإمارات والكويت، وهو كيبل يوجد في البحر، وفي الحقيقة هذه التقنيات تساعد كثيراً في وحدة دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تبقي الدول على تواصل مستمر، على الرغم من صعوبة تنفيذها، لأنها تتطلّب العديد من الاجتماعات والنقاشات والحصول على طلب من الشركات وتحليلها، إلا أن فائدتها كبيرة ومهمة جداً للدول.
- كيف كانت عملية الاتصال بشخص خارج مملكة البحرين؟
كانت عملية الاتصال في الستينات مختلفة تماماً وليست كما هي حالياً، وإنما كانت عملية معقدة، حيث كنا نحجز المكالمة في السابق إن أردنا الاتصال بشخص خارج مملكة البحرين، وذلك عن طريق الاتصال بمحطة الاتصالات في الهملة وإعطائهم رقم الشخص في البلد المعيّن، ومن ثَمَّ يقوم موظف الاتصالات بالتواصل مع موظف الاتصالات في البلد الآخر، ويقوم موظف البلد الآخر بالتواصل مع الشخص الذي نريد الاتصال به، ويتم الربط بيننا، وكانت الكلفة عالية، ولا يستطيع الجميع إجراء مكالمات دولية بسبب السعر.
- كلّمنا عن مرحلة ما بعد قطاع الاتصالات.
عملت في هذا المجال من عام 1969 حتى 2011، وبعد ذلك أسست شركة استشارات، بالإضافة إلى أنني كنت نشيطاً في الجانب الاجتماعي، حيث كنت عضواً في أكثر من مجلس إدارة لجمعيات مختلفة، مثل جمعية المهندسين، وجمعية الإداريين، وغيرها من الجمعيات، وكنت أساهم في النشاط المهني، حيث إنني أعمل في مجال الهندسة المعلوماتية والاتصالات، بالإضافة إلى مجال الإدارة، وفي الحقيقة هذا العمل أضاف إليّ الكثير من الخبرات والمهارات.
- متى تم تعيينك عضواً في مجلس أمانة العاصمة؟
بدأت مشوار العضوية في مجلس أمانة العاصمة في عام 2014، وذلك بتعيين من جلالة الملك المعظم، وأعتبرُ هذا تكليفاً وليس تشريفاً، حيث أعمل على نفسي لكي أكون في خدمة جميع المواطنين بكل ما أملك من خبرات ومهارات، ولا أتوانى عن تقديم أي خدمة قد يحتاجها مواطن أو مقيم في محافظة العاصمة، وفي عام 2018 أصبحت رئيساً للمجلس في دورتين، ولا أزال أشغل منصب رئيس مجلس أمانة العاصمة.
- ما هي أهم الأمور التي قام بها مجلس 2014؟
كان مجلساً جديداً، ونحن كأعضاء كان لدينا طموح عالٍ في خدمة المواطنين، وعملنا على تأسيس منظومة خدمية تخدم العاصمة، وواجهتنا تحديات في تعريفنا على الناس وتسهيل عملية التواصل بيننا وبينهم، فعملت على إقناع الحكومة الإلكترونية بأن نكون أحد الجهات الموجودة على نظام تواصل، فأصبحنا المجلس البلدي الوحيد الموجود على نظام تواصل لكي نكون قريبين من المواطنين والمقيمين، ولابد من الإشارة عند الحديث عن محافظة العاصمة إلى أن محافظة العاصمة ليست المنامة فقط، وإنما تشمل توبلي وجزءاً من سند ومدينة عيسى وسترة وجدحفص والسنابس والديه وكرباباد ورأس رمان، وبقية المناطق الأخرى، حيث إننا نتكلم عن 125 مجمعاً، وفي الحقيقة كان أمامنا تحدٍّ بسبب أن النطاق أصبح أكبر، وعلينا أن نطوّره من جميع النواحي.
- كيف ترى العمل البلدي؟
أنا سعيد جداً بالعمل البلدي وخدمة المواطنين والمقيمين على هذه الأرض الطيبة، ودائماً ما أسعى لتسخير كل ما درسته خلال حياتي، وكل الخبرات والمهارات التي اكتسبتها طوال السنين الماضية في خدمة أهالي المحافظة، والعمل على تطويرها والتأكد من أن تكون محافظة مميزة.