مات عثمان بن مظعون رضي الله عنه وهو أخ النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، وأول من دفن بالبقيع فرأته أخته بعد موته وبجواره نهر جار فقصت الرؤيا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرح بها، وقال لها: "ذاك عمله الصالح يجري عليه".

أخي المحسن... أختي المحسنة، متى ما أيقن العبد بحقيقة أن العمر قصير كان لزاماً على صاحب المال أن يجعل عمره مئة أومئتين وربما اﻵﻻف، مع حضور النية الصالحة وحسن الظن بالله، وذلك بإيقاف شيء من ماله ليكون له صدقة جارية وحسنات باقية يصل إليه خيرها بعد وفاته، بعد عمر طويل إن شاء الله.

أخي صاحب المال... وأختي.



كثيرا ما يكون العائق نفسيا عن هذا النوع من الصدقة إما لطول اﻷمل، أو لخوف الفقر ودوائر الأيام، أو الخشية على اﻷبناء والذرية.

فأما طول اﻷمل فعلاجه بالنظر إلى اﻷقران الذين كنا نعاشرهم ثم غادروا الدنيا فبقينا - أنا وأنت - بعدهم.

وأما خوف الفقر فعلاجه أن تعلم أن الصدقة تدفع كل شر وسوء عن الإنسان في دنياه وأخراه.

وأما الخشية على الأبناء، فأيقن أن الله أرحم بهم منا وأن الله حافظهم بصدقتك.

وإن من أكثر صور الحزن التي تمر بالمرء أن يرى ورثة صاحب المال الوفير قد تنعموا بماله وهنئوا به - بعد وفاته - وصرفوه على دنياهم وهو قد حرم نفسه أن يجعل لنفسه ما يبقيه صدقة جارية له مع تمكنه من ذلك.

أﻻ تحب أن تدر عليك الحسنات، وقد أوقفت شيئاً صار سببا في سد جوعة فقير أو رعاية أرملة وكفالة يتيم!

أﻻ تفرح بوقف على دعوة إلى الله فتكون سبباً في إسلام كافر، وهداية ضال، وإنقاذ غافل، وحج وعمرة، فاستعن بالله، وأوقف جزءاً من مالك ليكون لك نهرا جاريا، وعملا باقيا تنعم به في قبرك، وتفرح به يوم نشرك، ويكون سبباً في بلوغك بإذن الله جنة الفردوس.