إنّ للأمثال الشعبية قصصـاً تعكس ثقافات الشعوب، فهـي المرآة التـي نـرى مـن خلالهـا معتقداتهـم وأفكارهـم وتصرفاتهـم، بـل إنها ساهمت في تشكيل اتجاهاتهـم وأنماطهـم مـا جعلهـا محـور اهتمام الباحثين في دراسـة الثقافة الشعبية، التـي مـن ضمنهـا الأمثـال الشعبية، ومثلنـا اليـوم هـو: «لو فيه خير مـا عـافـه الطير»! هـذا المثـل أحـد أشهر الأمثال الشعبية التي راجـت، واعتـادت الألسـن قولهـا في الخليج العربي، ويقـال هـذا المثـل للّذي يريد أن يأخـذ شيئاً قد تركـه أحـد قبلـه! فالشيء المتروك لا خير فيـه ولذلك تخلى عنـه صاحبـه، وكذلك لمن يريد أن يجـود بمـا هـو أقل قيمـة أو لا فائدة منـه. أمـا عـن مـغـزى هـذا المثـل، فهـو يعنـي أن ما تُرك عمـداً لا خير فيه، يقال: «لو فيه خير مـا عـافـه الطير»، فلو كان المتروك ذا فائـدة لتبـارى الآخـرون في الحصـول عليـه، وليس في رميـه.

قصـة هـذا المثل تحديداً أن المقصـود بالطير، هـو: «الصقـر»، والـذي مـن صـفتـه الانقضاض على فريسته بالعـادة التـي جـرت عنـد شـيوخ العـرب في تدريبـه عـلى صيـد جميـع أنـواع الطيـور والعـودة بهـا إليهـم، فهـي هوايـة متعـارف عليهـا منـذ القدم في الصيد وغيرهـا مـن الحيوانات والطيور البرية، وكان العـرب يستخدمون لقب الطير على الصقـر فيقـول البعـض: «لقد أرسلت الطير ليحضر لي صيدا ثميناً»، وهـو بذلك يقصـد صـقـره الـذي رباه ودربـه عـلى الصيـد منـذ كان صغيراً، فهـو يحـضـر لـه جميـع مـا يقتنـص مـا عـدا نوعـاً واحـداً يرميـه! وهنـا يكمـن مـغـزى قصة مثلنا اليـوم.

فهـذا الصقـر يصيـد كل الطيـور إلا البومـة! لرائحتهـا النتنـة فيبادر الصقر إلى التخلص منها بمجرد أن يلتقطها فيقتلهـا ويرميهـا، وقد أطلـق عـلى البومـة بسـبب رائحتهـا تلـك فهي لا خير فيها، أي أن المقصـود بالمثـل: «لو كان في البومـة خـير مـا كان رماهـا الصقـر» فانتشر وشـاع هـذا المثـل في مختلف الأزمـان حتـى يومنـا هـذا وأصبـح متـداولاً بين الناس في تحديد قيمـة الـشيء. نعم فالهدية يجب أن تكون على قدر المقام والعطاء يناسب والوظيفة الممنوحة تناسب المكين أي عامل الخبرة والمؤهل وهلمّ جرّاً.