أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "التعبئة الجزئية" لقوات الاحتياط، في وقت تواجه فيه بلاده انتكاسات في حربها في أوكرانيا.

وتمثل خطوة التعبئة الجزئية التي أعلنها خلال خطاب للشعب الروسي، أمس الأربعاء، أول تعبئة عسكرية في روسيا منذ الحرب العالمية الثانية '(١٩٣٩-1945).



وسرعان ما أدان المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون قرار بوتين، الذي يتزامن مع النقص الكبير في القوات الروسي في أوكرانيا، ويتبع انتكاسات كبرى في "العملية العسكرية الخاصة" للكرملين وسط هجوم مضاد أوكراني ناجح في خاركيف.

وفي تقرير نشرته على موقعها، استعرضت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية جميع التفاصيل المتعلقة بالتعبئة التي أعلنها بوتين.

التعبئة الجزئية

يشير مصطلح التعبئة الجزئية إلى استدعاء مجموعة معينة من الناس للخدمة بالقوات المسلحة الروسية. ويختلف هذا عن التعبئة العامة، التي تنطوي على التجنيد من عموم السكان، وإعادة تركيز الاقتصاد بأكمله ووضع البلد على طريق الحرب، مما يشير إلى توقف الحياة الطبيعية.

قوات الاحتياط

قال وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو، الأربعاء، بعد خطاب بوتين، إن روسيا ستستدعي ما يصل إلى 300 ألف من قوات الاحتياط إلى الخدمة العسكرية. ويقال إن الروس بدأوا بالفعل تلقي إخطارات الاستدعاء للمثول للخدمة، وفق الصحيفة الأمريكية.

وأضاف شويغو أن "روسيا تمتلك موارد تعبئة ضخمة، ما يقرب من 25 مليون شخص، وحوالي 1% من هذا الرقم يندرجون تحت التعبئة الجزئية" التي أمر بها بوتين.

وإذا صح ذلك، تعتبر هذه زيادة كبيرة؛ إذ يعتقد أن روسيا شنت الحرب على أوكرانيا بحوالي 150 ألف جندي نهاية فبراير/شباط، لذا فإن 300 ألف إضافيين هي أكثر من ضعف هذا الرقم.

وفي حين، لم يتضح كيف سيتم نشر قوات الاحتياط بالضبط، تأتي خطوة بوتين بعد تقارير عن خسائر فادحة للقوات في أوكرانيا، وستكون هذه أول تعبئة عسكرية في تاريخ روسيا الحديثة.

وتختلف التقديرات الخارجية لعدد قوات الاحتياط المتاحين للقادة العسكريين. وقال معهد دراسة الحرب، وهو مركز فكري مقره الولايات المتحدة يتابع عن كثب الحرب في أوكرانيا، في وقت سابق إن روسيا لديها أكثر من 2 مليون من قوات الاحتياط، بما في ذلك المجندون السابقون والجنود المتعاقدون.

وأشار معهد دراسة الحرب إلى أن "عددا قليل من هؤلاء مدرب بنشاط أو مستعد للحرب"، وأن حوالي 10% منهم فقط يتلقون تدريبا مستمرا بعد استكمال خدمتهم العسكرية الأساسية.

وبموجب إعلان بوتين "التعبئة الجزئية"، يحق لعدة مجموعات من الناس تجنب الاستدعاء، وهم: الطلاب، والآباء الذين لديهم أربعة أطفال صغار أو أكثر، الأشخاص المهمون لقطاعات الصناعة، ومقدمي الرعاية.

أهمية التعبئة

وصف روب لي، باحث رئيسي ببرنامج أوراسيا بمعهد أبحاث السياسة الخارجية، الإعلان الذي جاء يوم الأربعاء، بأنه "أحد أهم وأخطر القرارات السياسية التي اتخذها بوتين على الإطلاق".

وعلى المدى القصير، بحسب تغريدة كتبها لي على "تويتر"، قد تكون التعبئة الجزئية لجنود الاحتياط والتدابير الجديدة بالتمديد القسري لعقود المتطوعين الذين يخدمون في أوكرانيا "كافية لمنع انهيار القوات الروسية، وإلا لأصبحت مشكلة القوات الروسية كارثية هذا الشتاء عندما لا يجدد المتطوعون العقود قصيرة الأجل على الأرجح".

وأضاف لي: "لكن الحرب الآن سيخوضها على الجانب الروسي على نحو متزايد أناس لا يريدون التواجد هناك"، مما يرجح زيادة وتيرة التراجع في الروح المعنوية وتماسك الوحدات بين القوات الروسية.

وتعتبر قوات الاحتياط ضرورية لجهود الحرب بالعديد من الدول. على سبيل المثل، يقال إن حوالي نصف أفراد الخدمة الأمريكية الذين أرسلوا إلى أفغانستان والعراق على مدار العشرين عاما الماضية جاءوا من الحرس الوطني وقوات الاحتياط، وتكبدت هذه المجموعات حوالي 18% من الخسائر.

احتياج روسي

تواجه موسكو نقصا هائلا في القوات، بالرغم من جهود التجنيد الأخيرة التي تضمنت تجنيد السجناء وإرسال المتطوعين إلى الخطوط الأمامية بقليل من التدريب، بحسب محللين.

ورأى معهد دراسة الحرب عن خطط ضم جنود للجيش: "يأمل بوتين على الأرجح في تحسين قدرات تشكيل القوات الروسية من خلال دعوة الناس إلى التطوع في الحرب للدفاع عن الأراضي التي سيطرت روسيا عليها حديثا".

وقال شويغو، الأربعاء، إن موسكو فقدت 5937 جنديا في الحرب، وهو أول رقم رسمي للخسائر تقدمه روسيا منذ نهاية مارس/آذار، عندما أعلنت وزارة الدفاع مقتل 1351 جنديا.

ويسلط خطاب شويغو، الذي جاء في أعقاب إعلان بوتين التعبئة الجزئية، الضوء على "التناقض الواضح"، وفق تعبير واشنطن بوست، بين عدد الخسائر المنخفض نسبيا الذي أعلنه الروس، وإقدام بوتين على استدعاء قوات الاحتياط.

وطبقًا لبوتين وشويغو، تنطبق التعبئة الجزئية على الروس الذين خدموا في الجيش ومسجلين كقوات احتياط الآن، بالإضافة إلى أولئك الذين لديهم وظائف عسكرية، وتتضمن موظفي الرعاية الطبية والمتخصصين الفنيين.

ترتيبات الاستدعاء

ولم يحدد الكرملين، الأربعاء، المدة التي ستخدم بها قوات الاحتياط التي يتم استدعاؤها بموجب التعبئة الجزئية، كما لا يتضمن المرسوم الرئاسي أي تفاصيل أخرى عن نمط التجنيد ومناطقه الجغرافية.

وقال المحامي الحقوقي بافيل تشيكوف، عبر "تليجرام"، إن عملية التعبئة الجزئية تبدأ بتلقي قوات الاحتياط أوامر التعبئة. وقد بدأ ذلك بالفعل، حيث قال أربعة أشخاص، بمدن روسية مختلفة لـ"واشنطن بوست" إنهم تم تسليمهم إخطارات الاستدعاء أو شاهدوا ضباطا يسلمونها لزملائهم أو أقاربهم.

وأضح تشيكوف: "هؤلاء هم الرجال الذين خدموا في الجيش ووقعوا عقودا للبقاء ضمن الاحتياط"، مشيرا إلى أن الموجة التالية من الأوامر ستطال قوات الاحتياط التي تندرج ضمن 3 فئات بناء على عمرهم ورتبتهم.

وأشار إلى أن وزارة الدفاع ستشكل "كوتا" للتعبئة لكل منطقة من المناطق الـ85 في روسيا، وسيكون موظفو تلك المناطق، مسؤولين عن تطبيق تلك الحصص.