ليس هناك ما هو أصعب من التعامل مع كومة المشاعر السلبية الناتجة عن الأذى النفسي الذي تعرضت له من الآخرين، لأن هذا الأذى يترك بصماته الواضحة على ذاكرة القلب، ويمنح كل ذكرياتك لوناً أسودَ فاحماً ويُبقي طعم المرار الذي لا يشبه القهوة في حلقك وعقلك ودمك! فتمضي مع الأيام حاملاً هذا الألم على ظهر قلبك دون قدرة على إزاحته أو التخفيف منه، وكلما حاولت التناسي أتاك صوت من بعيد يذكرّك بأن لا تَسامح ولاغفران، طالما كان هذا الألم نابضاً بقوة في ذاكرتك ورابضاً فيها!

قد يخبو الشعور مع الوقت، وقد يزداد، لكنك أبداً لن تعود الشخص ذاته قبل هذا الأذى، وتبقى معضلتك الكبرى هي اضطرارك للتعامل مع ذكرياتك الموبوءة والأشخاص المتسببين في أذاك! أحياناً الفرار جزء من الحل، ولكن هناك أشخاص لا يمكن التخلي عنهم بسبب رابط الدم أو رابط الزواج أو بسبب مكان العمل. فلا مناص منهم ولا قصاص لهم!

إن المغفرة أو التسامح ليس من ضمن الخيارات، وكثيرون يفضلون الموت على هذا التساهل في حق من حقوق النفس. إن فكرة التخلي عن الألم وإطلاق سراحه أمر صعب خصوصاً وأن الشوك لا يزال عالقاً في ذاكرتك ولا سبيل لإزالته. المغفرة تتطلب جهداً كبيراً وقوة لا يملكها الجميع. كثيرون ماتوا حاملين آلامهم معهم إلى المقبرة، تاركين دعاءهم معلقٌ بين الأرض والسماء بأن يقتص الله ممن تسبب في هذا الجرح.

الغفران صعب، لكن مردوده عظيم، لأنه سيحررك من عبء الألم وما قد يتسبب به من أمراض نفسية وجسدية على المدى البعيد. فأنت قد تصاب بقرحة في المعدة أو صداع نصفي أو حتى التهاباً في القولون نتيجة غضبك وألمك وقهرك لفترات طويلة، وهي أمور بإمكانك أن تسلم منها بالمغفرة.. المغفرة فقط.

لو كان العفو عن الآخرين بالسهولة التي نتمناها لما كان جزاء من يبيت خال الصدر، الجنة! إن تطهير القلب من الألم واجب تجاه النفس لمن أراد أن يعيش بسلام وخفة.. والمدهش أنك في اللحظة التي تقرر فيها أن تسامح الآخرين- بعد أن تضع نفسك في مكانهم وتحاول أن تتفهم دوافعهم- في هذه اللحظة سيسقط هذا الألم من الذاكرة وسينتهي، ولن تكون له سلطة عليك. (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ). فقط تخيل ما الذي يخبئه الله لك بعد أن تتحلى بالشجاعة والقوة الكافية للتسامح!