أميرة صليبيخ
منذ سنوات دراستي الأولى ولحين تخرجي من جامعة الكويت وأنا من الطلبة المتفوقين والمتميزين أيضاً. فقد كان الإنجاز والتفوق والإبداع من ضمن مصفوفة قيمي الشخصية التي حملتّني مسؤولية أن أكون متماثلة مع هذه الصورة التي عرفها الآخرون عني. كانت هذه القيم تحرك حياتي وتختار لي السبل التي أقطعها والخيارات التي أميل لها، فأي عمل أقوم به حتى لو كان مجرد سلطة، فيجب أن يكون مثالياً ومنجزاً بشكل لائق، يشعرني بمدى إبداعي وتميزي.

كانت هذه القيم مزروعة داخلي دون اختيار، ربما اكتسبتها بالوراثة، لا أعلم، ولكن الإنجاز هو أعلى قيمة شخصية لدي، وهو الأمر الذي اكتشفته صدفة منذ سنوات عندما كنت أراجع معتقداتي وقناعاتي في محاولة مني لتنظيف الداخل وترتيب الكركبة التي تعيث في رأسي فساداً.

هناك عدة اختبارات نفسية تستطيع البحث عنها في غوغل حتى تعرف ما الذي يجري حقاً بداخلك. ففي الغالب ما هو موجود في الخارج -في حياتك- إنما هو انعكاس لما في الداخل، وعليك أن تنظف ما به من صدأ.

قيمك الشخصية هي ما يحدد هويتك ويساعدك على تحقيق أهدافك، وكلما ابتعدت حياتك عن قيمك كلما شعرت بالضياع واللخبطة، وكأنك تقف في مفترق طريق تطوّح بك الرياح كيفما شاءت. ولسنوات كنت أشعر بهذا الشعور. كان اليأس والإحباط يتشبثان جيداً بأقدامي حتى سلّمت أمر حياتي لهما. لم أعد أشعر بأي لذة في الإنجاز. كنت كقطرة ماء تتسرب ببطء إلى الأرض وكأني طاقة مُهدرة عبثاً. هكذا مرت بي الأيام عجافاً، إلى أن رجعت مرة أخرى لإلقاء نظرة على مصفوفة القيم التي تسّير حياتي، فأدركت حينها أنه لابد من إعادة ترتيبها بما يتناسب مع حياتي الحالية وأهدافي ورغباتي.

فالإنجاز كقيمة لم يعد يضيف لي أي سعادة أو متعة وكان كل ما أريده هو السلام الداخلي فقط. السلام في لحظات الضعف، الفشل، الألم، وحتى في لحظات الفرح أريد السلام الداخلي الذي يدثر الروح. ثم أيقنت أن السلام لا يأتي بسهولة ما لم يكن رضا الله هو القيمة الأعلى في مصفوفة قيمك. فبدون رضا الله ستكون كل محاولاتك للشعور بالسعادة والاتزان مجرد محاولات فاشلة لتحقيق شعور زائف.

ومنذ ذلك الوقت صغرت في عيني العديد من الهموم، لم يعد الإنجاز الدنيوي يعنيني كثيراً، فجميعنا عابرون ولا شيء يستحق اللهاث المسعور خلفه.