لسنوات طويلة لم يكن النمل يعنيني. فهو مجرد حشرة لا أشعر بأي تأنيب للضمير عند دهسها أو سكب الماء عليها ومشاهدتها تختفي بسرعة عبر فتحة الصرف الصحي. لكن بمرور الوقت وتغير الوعي من خلال استشعار الله في كافة مخلوقاته، أصبحت حريصة على عدم إيذائها، فهي كائن حي مثلي ومثلك. فقط تخيل أنه من أجل هذه الحشرة التي لا نكاد نضع لها أي اعتبار، فقد غيّر النبي سليمان مسار جيش بأكمله! وهذا في حد ذاته أمر مثير للعجب. فرحتُ أبحث عن عوالم النمل، عندما رأيت مساكنها الإبداعية وتخطيطها الهندسي، والنظام البديع الذي تقوم عليه مستعمراتها، حينها أدركت ضالتي أمام عظمة الله التي تتجسّد، في أصغر مخلوقاته، فكان عليّ الاستمرار في البحث عما تحمله هذه المخلوقات من خفايا مدهشة. فبيوت النمل على سبيل المثال، تضم مرافق لا تخطر على البال تحتوي على أنظمة للتهوية، ومخازن للغذاء، ومواقع للحراسة ضد الدخلاء، ومواقع لراحة العاملين من النمل، وثكنات للجنود، وغرفة للملكة، ومكان لتفقيس البيض، ومكان آخر لتربية صغار النمل فيه، ومقبرة وغيرها. كل هذا النموذج الإبداعي المتقن من صنع النملة التي كنت أتعمد إغراقها بالماء، أنا التي أعجز حتى عن بناء بيت رملي على الشاطئ يستطيع أن يصمد لساعات. أدركت معنى أعمق للآية (أمم أمثالكم)، فلا اختلاف كما يبدو لي بين عوالمنا وعوالمهم سوى اللغة التي تقف حائلاً بين التواصل معهم وفهم ما يجري في مستعمراتهم تحت الأرض، هناك عند أقدمنا المستهترة والعابثة.

واستكمالاً لرحلة البحث عن عظمة الخالق في خلق (النملة)، اكتشفت أن لها قوانينها الخاصة أيضاً، كقانون المصلحة العامة، وقانون المبادرة، وقانون المسؤولية، وقانون تقديم الحلول وقانون استشراف المستقبل وغيرها، وهي قوانين تم استخلاصها من خلال حوارها البسيط مع سيدنا سليمان (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ).

وهناك قانون آخر يُستخلص من شخصية النملة نفسها كتب عنه الدكتور إبراهيم الفقي رحمه الله في إصداره (قانون النمل) حيث تكلّم عن الصفات التي تتمتع بها النملة والتي يجب أن يتحلّى بها من يسعى للنجاح والتميّز. فمن خلال تجربته، قضى أكثر من 3 ساعات يحاول سدّ طريق النملة بوضع إصبعه أمامها ليعيق تقدمها، أما هي فقد واصلت محاولاتها في إيجاد منفذ آخر دون تقاعس أو تعب أو شكوى وكأنه غير موجود! وهنا يكمن الاختلاف الكبير عن بني البشر الذين يصابون باليأس سريعاً. هناك الكثير والكثير الذي يمكن أن نتعلمه من المخلوقات حولنا، فقط لو تأملنا جيداً واستشعرنا وجود الله فيها.