تشكل بيئات التعلم الحالية نموذجاً مصغراً عن بيئات العمل المستقبلية التي يتم إعداد المتعلمين للعمل فيها وفق الأنظمة التعليمية على المستوى العالمي، ونظراً لما يشهده العالم المعاصر من تطورات علمية هامة ومتسارعة، تمثلت في دخول الذكاء الصناعي بأدواته وتطبيقاته المتنوعة ليشمل مختلف مجالات الحياة، كان لابد من الإشارة إلى تأثير ذلك على العملية التعليمية بشكل عام، وخاصة مع ظهور مجالات جديدة للذكاء الاصطناعي قد تحدث فارقاً من حيث توفير الوقت والجهد والمال ومنها: «نظام الخبراء، والشبكات العصبية الاصطناعية، والتعلم الآلي، والتعلم العميق، وتعليم اللغات، والرؤية الحاسوبية، والروبوتات.....».
وعلى الرغم من أن التعليم ظل لفترة طويلة بعيداً عن الذكاء الاصطناعي، إلا أننا نرى اليوم العديد من المحاولات لتطبيق الذكاء الاصطناعي في المجال التعليمي، مع العلم أن بداية اكتشاف الذكاء الاصطناعي جاء من منظور تعليمي تمثل في أبحاث علمية في مجال علم الحاسوب قام بها العالم جون مكارثي، والذي اعتمد على محاكاة الوظيفة المعرفية «التخطيط والتعلم ومعالجة اللغة» في أداء الأنشطة التي يقوم بها الإنسان، ليصبح بمقدور الآلات أداؤها وفق أنظمة ذكية.
وعلى اعتبار المتعلم هو مركز العملية التعليمية فمن الممكن توظيف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في العديد من المقررات الدراسية مثل تعليم الهندسة و الرياضيات واللغة والموسيقى، والتعليم الجراحي، وتعليم الروبوتات، وتعليم علوم الحاسوب، وتعليم العلوم التقنية، والتعليم الطبي، نتيجة لطبيعة تلك المقررات، والقدرة على تعزيز بيئات التعلم بأدوات تعليمية مبتكرة تقوم على دمج المواد العضوية والاصطناعية، كما تيسر لهم الوصول إلى أية دورة تعليمية أو فصول دراسية عالمية في أي زمان ومكان وفي جميع أنحاء العالم، وتسمح للمتعلمين بالدراسة عندما يكونون في وقت فراغ، وتلقي التغذية الراجعة من مدرسيهم في الوقت المناسب، كما تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي القائم على VR في تحسين مشاركة المتعلم في العملية التعليمية، وتجعله أكثر تفاعلاً وأقرب إلى شخصيته واحتياجاته الفردية، وهذا يؤكد مبدأ مهماً من مبادئ التعليم وهو التمايز، مما ينعكس بصورة إيجابية على المتعلمين من حيث بيئات تعليمية متنوعة تتميز بالعالمية والاحترافية في الوصول إلى آخر التطورات العلمية الحديثة.
أما بالنسبة للمعلم الذي يتركز دوره الحالي في تيسير وتوجيه العملية التعليمية، فيستبعد أن يتم استبدال تواجده في القاعة الصفية، ولكن يمكن للتوظيف الصحيح لأدوات الذكاء الاصطناعي من توفير الكثير من الوقت والجهد ليتمكن المعلم من قضاء أكبر وقت مع المتعلمين، ولينعكس ذلك على مرونة عملية التعليم بالنسبة للمتعلمين وفق الأوقات المناسبة لهم، فيمكن للمعلم أن يوظف أدوات الذكاء الاصطناعي في تصميم جدول فردي مخصص لطالب معين، بحيث يدرس هذا الطالب المقررات الدراسية التي تلبي احتياجاته الشخصية، وهذا بدوره يفتح المجال بشكل أوسع على الطلبة الذين يعانون من صعوبات تعليمية، وتوفر بعض البرامج القائمة على تقنية الخبير الافتراضي عملية رصد أداء المتعلم من خلال التأكد من تنفيذ المهمة، وتتبع التقدم الذي يحرزه المتعلمين، وكمثال على ذلك يمكن استخدام الأدوات الخاصة بتعلّم نطق الكلمات، ومعناها، واستخدامها على نحو سليم، مما يرفع من كفاءة المتعلمين في هذا المجال.
أما بالنسبة للمهام الإدارية التي يقوم بها المعلم، فمن المؤكد أن توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في عمليات التصنيف للمهام التي يقوم بها المتعلم والأتمتة والتصحيح والتخطيط، ستوفر الكثير من الجهود التي يبذلها المعلم، وتوفر الوقت له للقيام بالأعمال الأكثر أهمية بالنسبة للطلبة. وفي ختام المقالة لابد من الإشارة إلى أن المتعلم سوف يتعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل المستقبلية، وفي حياته اليومية مثل المساعدين الشخصيين، والنقل الجماعي الآلي، والطيران، والحاسوب، والتعرف على الوجه في مراقبة جوازات السفر، والسيارات بلا سائقين، والروبوتات المرافقة، وما إلى ذلك، فلابد أن تكون هذه الأدوات هي جزء من البيئة الصفية التي يتعامل معها بشكل يومي، مع التأكيد على أهمية أن يتم تدريب المعلمين لتوظيف هذه الأدوات، وإجراء الأبحاث والدراسات العلمية التي تكشف لنا الثغرات وآليات معالجتها، وبالتالي توفر للمتعلم التعلم الذي يرتقي به وبمجتمعه في عالم اليوم.