بينما كان أحد التلاميذ جالساً بين يدي أستاذه، تفتق ذهنه عن سؤال عجيب، فقال للأستاذ: افترض لو أن رجلاً يمشي في الطريق يجر خلفه عنزاً، وكان البعر يخرج من العنز وهي تمشي كعادة هذه الحيوانات، وخلف العنز يمشي رجل آخر، فخرجت بعرة من العنز، فضربت الرجل الثاني فقتلته، ففي هذه الحالة من المسؤول عن قتل الرجل، هل العنز، أم صاحبها الذي يجرها، أم الرجل المقتول نفسه، ومن يدفع ديته؟ عندها نظر الأستاذ إلى التلميذ وقال له: من أين لي بعنز ترمي بالمنجنيق؟!
كان ذلك الحوار بين الأستاذ الفقيه والتلميذ في العصر العباسي، الذي بلغت فيه الحضارة الإسلامية أوج نشاطها وارتفاعها، وجاء ذلك السؤال نتيجة للترف الفكري في تلك الفترة التي أنتجت لنا تراثاً ضخماً، ومخزوناً هائلاً من المسائل وحلولها، لا سيما تلك المسائل الافتراضية التي لم تكن قضايا حقيقية على أرض الواقع لكنها مجرد افتراضات ومع ذلك أجاب عليها الفقهاء، فظهرت بعدهم بمئات السنين قضايا جديدة معاصرة، احتاجت إلى أحكام، فكانت تلك القضايا الافتراضية القديمة وأحكامها خير عون للعلماء المعاصرين، للوصول إلى أحكام القضايا المعاصرة، أما لماذا لم يجب ذلك الأستاذ على سؤال تلميذه؟ فذلك لأنه اعتبر هذا السؤال من التنطع في الدين ولا توجد هناك أي احتمالية لوقوع الحالة فرفض الإجابة وكانت إجابته تهكمية.
لكننا اليوم بعد التقدم الهائل والمتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي واستخداماته في قطاعات الحياة المختلفة، ومنها الآلات والروبوتات ووسائط النقل التي تنتشر على الأرض والماء وفي السماء، أصبحنا محاطين بتحركات هذه الآلات الضخمة التي يسيرها الذكاء الاصطناعي، وهي تحركات ينتج عنها أضرار، فظهرت مشكلة قانونية، وهي تحديد المسؤولية في حالات الأضرار، الصادرة عن آلات معقدة النظام، ذاتية التعلم، تتطور وتغير سلوكها من حين لآخر وفقاً لما تتعلمه، وتعمل في بعض الأحيان بطرق لا يمكن توقعها، فهذه الأنظمة تتعامل مع أعداد هائلة من البيانات الضخمة، وتتعلم الأنظمة من تجاربها، فهذا روبوت يعمل ويتحرك في معرض فينهار فجأة ويقع على من حوله وهو كتلة من المعادن والأطراف الحادة، وتلك سيارة ذاتية الحركة تقرر عدم التوقف وتصطدم بغيرها من السيارات، والمشكلة التي ظهرت من يتحمل المسؤولية في حال الضرر، هل هو مطور النظام، أم النظام نفسه، أم مستخدم النظام؟ الأمر ليس سهلاً، فهذه قضية معاصرة شائكة ومعقدة، وتحتاج إلى إعادة النظر في مفاهيم المسؤولية التقليدية، كما تحتاج إلى تشريع قوانين، لأن التشريعات الحالية لم تصمم للتعامل مع القضايا الناشئة والمتجددة للذكاء الاصطناعي.
مرت قرون طويلة، لتتحقق القضية التي وردت في ذهن ذلك التلميذ الباحث عن المسؤولية عن الأضرار، وبالأطراف الثلاثة التي ذكرها، بعد أن رمت العنز بالمنجنيق في أيامنا هذه!
* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية
كان ذلك الحوار بين الأستاذ الفقيه والتلميذ في العصر العباسي، الذي بلغت فيه الحضارة الإسلامية أوج نشاطها وارتفاعها، وجاء ذلك السؤال نتيجة للترف الفكري في تلك الفترة التي أنتجت لنا تراثاً ضخماً، ومخزوناً هائلاً من المسائل وحلولها، لا سيما تلك المسائل الافتراضية التي لم تكن قضايا حقيقية على أرض الواقع لكنها مجرد افتراضات ومع ذلك أجاب عليها الفقهاء، فظهرت بعدهم بمئات السنين قضايا جديدة معاصرة، احتاجت إلى أحكام، فكانت تلك القضايا الافتراضية القديمة وأحكامها خير عون للعلماء المعاصرين، للوصول إلى أحكام القضايا المعاصرة، أما لماذا لم يجب ذلك الأستاذ على سؤال تلميذه؟ فذلك لأنه اعتبر هذا السؤال من التنطع في الدين ولا توجد هناك أي احتمالية لوقوع الحالة فرفض الإجابة وكانت إجابته تهكمية.
لكننا اليوم بعد التقدم الهائل والمتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي واستخداماته في قطاعات الحياة المختلفة، ومنها الآلات والروبوتات ووسائط النقل التي تنتشر على الأرض والماء وفي السماء، أصبحنا محاطين بتحركات هذه الآلات الضخمة التي يسيرها الذكاء الاصطناعي، وهي تحركات ينتج عنها أضرار، فظهرت مشكلة قانونية، وهي تحديد المسؤولية في حالات الأضرار، الصادرة عن آلات معقدة النظام، ذاتية التعلم، تتطور وتغير سلوكها من حين لآخر وفقاً لما تتعلمه، وتعمل في بعض الأحيان بطرق لا يمكن توقعها، فهذه الأنظمة تتعامل مع أعداد هائلة من البيانات الضخمة، وتتعلم الأنظمة من تجاربها، فهذا روبوت يعمل ويتحرك في معرض فينهار فجأة ويقع على من حوله وهو كتلة من المعادن والأطراف الحادة، وتلك سيارة ذاتية الحركة تقرر عدم التوقف وتصطدم بغيرها من السيارات، والمشكلة التي ظهرت من يتحمل المسؤولية في حال الضرر، هل هو مطور النظام، أم النظام نفسه، أم مستخدم النظام؟ الأمر ليس سهلاً، فهذه قضية معاصرة شائكة ومعقدة، وتحتاج إلى إعادة النظر في مفاهيم المسؤولية التقليدية، كما تحتاج إلى تشريع قوانين، لأن التشريعات الحالية لم تصمم للتعامل مع القضايا الناشئة والمتجددة للذكاء الاصطناعي.
مرت قرون طويلة، لتتحقق القضية التي وردت في ذهن ذلك التلميذ الباحث عن المسؤولية عن الأضرار، وبالأطراف الثلاثة التي ذكرها، بعد أن رمت العنز بالمنجنيق في أيامنا هذه!
* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية