إبراهيم عرب هو أحد ظرفاء بغداد، رحل عن عالمنا سنة 1979، شخصيته فريدة من نوعها، فهو لا يشبه من سبقه من ظرفاء بغداد، لأن فكاهته تعتمد بشكل كامل على الكذب وقصص من عالم الخيال يرويها عن نفسه، ويسطر من خلالها بطولاته، يتحدث في الأمور الاجتماعية والسياسية والرياضية والاقتصادية وكل ما يخطر على باله ساعة الحديث، وكل ذلك كان يجري في المقهى الذي يمتلكه ويديره في جانب الرصافة في بغداد، من أحاديثه أنه اجتمع بالملك فيصل الأول ملك العراق، وقدم له نصائح في كيفية حكم العراق، ومنها أن المندوب السامي البريطاني «هنري دوبس» زاره إلى منزله –قبل استقلال العراق– وطلب منه حل مسألة مستعصية، وأجاب طلبه، وعن بطولاته قال ذات مرة لرواد مقهاه، وكان أكثرهم من طلبة كلية الحقوق، أنه خرج ذات مرة من المقهى، وذهب إلى سكة القطار وانتظر مروره فأوقفه، وطلب من سائقه أن يغير طريقه لأن صوت القطار يزعج رواد المقهى من الطلبة عندما يمر، فلم يستجب السائق، فاضطر إبراهيم عرب إلى الذهاب إلى مكتب رئيس الوزراء نوري باشا السعيد وطلب منه تغيير طريق القطار فرفض، وفي اليوم التالي خرج إلى سكة القطار وعندما مر أمامه ضربه بلكمة أدت إلى تناثر القطار إلى أشلاء، ثم أشار بيده إلى كومة حديد صدئ أمام المقهى قائلاً: وهذه بقايا القطار، وغيرها من القصص عن بطولاته أيام الدولة العثمانية، وقصص عن زيارته لهتلر في ألمانيا وخروجه معه في سيارة مكشوفة والجماهير على طرفي الشارع، يقولون: نعرف أن هذا إبراهيم عرب، لكن من هذا الذي معه؟! وغيرها من القصص التي اتخذه منها سبباً لرواج عمله.
تمر عشرات السنين فيظهر «أبو شاهين» وهو أحد الظرفاء الجدد، صاحب شخصية شبيهة إلى حد كبير بشخصية إبراهيم عرب، شاب عراقي يعيش في ألمانيا، لا يملك مقهى كإبراهيم عرب لكنه يملك حساب تيك توك، وسيارة يجلس داخلها ويطل على العالم من خلال هذه النافذة، متحدثاً عن زيارة ميركل مستشارة ألمانيا السابقة له، ولجوئها له لحل بعض مشاكلها، كما يتحدث عن علاقته بالرئيس الراحل صدام حسين وتقديمه المشورة له، وكيف أن الرئيس يلجأ إليه في الظروف الصعبة، كما يتحدث عن بطولاته خلال الحرب العراقية الإيرانية وما تلتها من حروب، وأحداث كثيرة لم يكن قد ولد في حينها أساساً، وفي الواقع له قدرة عجيبة على ارتجال الحديث واختلاق القصص بلمح البصر، حتى أنه استطاع خلال فترة وجيزة من استقطاب مئات الآلاف من دول عربية مختلفة ليستمعوا إلى حديثه المباشر أو المسجل.
وقد ظهر قبل أيام من خلال حسابه ليقول: (أنا مصاب بالكذب القهري) والكذب القهري أو «الميثومانيا» حالة طبية ذكرت أول مرة سنة 1891 على لسان الطبيب الألماني أنتون ديلبروك باعتبارها حالة مرضية، وذكر المختصون أن هذا النوع من الكذب حالة من الجنون ولا يمكن أن يكون أمراً طبيعياً إلا إذا كان في إطار كتابة الروايات، كان ذلك الرأي قبل ظهور التيك توك وباقي وسائط التواصل الاجتماعي، وأعتقد أن غيروا رأيهم.
في الواقع تتوجه الأنظار دوماً على شخصية مثل شخصية إبراهيم عرب أو شخصية «أبو شاهين» ويتجادلون عن كذبهم وصدقهم، لكن لم يسأل أحد ماذا عن مئات الآلاف من المستمعين والمتابعين والمتشوقين لسماع أحاديث، لماذا يستمعون إليهم؟ هل لديهم مشاكل نفسية، أم واقع يريدون الهروب منه، أم أن هذه الشخصيات تقدم نوعاً من أنواع الفنون تستقطب الجمهور؟
* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية
تمر عشرات السنين فيظهر «أبو شاهين» وهو أحد الظرفاء الجدد، صاحب شخصية شبيهة إلى حد كبير بشخصية إبراهيم عرب، شاب عراقي يعيش في ألمانيا، لا يملك مقهى كإبراهيم عرب لكنه يملك حساب تيك توك، وسيارة يجلس داخلها ويطل على العالم من خلال هذه النافذة، متحدثاً عن زيارة ميركل مستشارة ألمانيا السابقة له، ولجوئها له لحل بعض مشاكلها، كما يتحدث عن علاقته بالرئيس الراحل صدام حسين وتقديمه المشورة له، وكيف أن الرئيس يلجأ إليه في الظروف الصعبة، كما يتحدث عن بطولاته خلال الحرب العراقية الإيرانية وما تلتها من حروب، وأحداث كثيرة لم يكن قد ولد في حينها أساساً، وفي الواقع له قدرة عجيبة على ارتجال الحديث واختلاق القصص بلمح البصر، حتى أنه استطاع خلال فترة وجيزة من استقطاب مئات الآلاف من دول عربية مختلفة ليستمعوا إلى حديثه المباشر أو المسجل.
وقد ظهر قبل أيام من خلال حسابه ليقول: (أنا مصاب بالكذب القهري) والكذب القهري أو «الميثومانيا» حالة طبية ذكرت أول مرة سنة 1891 على لسان الطبيب الألماني أنتون ديلبروك باعتبارها حالة مرضية، وذكر المختصون أن هذا النوع من الكذب حالة من الجنون ولا يمكن أن يكون أمراً طبيعياً إلا إذا كان في إطار كتابة الروايات، كان ذلك الرأي قبل ظهور التيك توك وباقي وسائط التواصل الاجتماعي، وأعتقد أن غيروا رأيهم.
في الواقع تتوجه الأنظار دوماً على شخصية مثل شخصية إبراهيم عرب أو شخصية «أبو شاهين» ويتجادلون عن كذبهم وصدقهم، لكن لم يسأل أحد ماذا عن مئات الآلاف من المستمعين والمتابعين والمتشوقين لسماع أحاديث، لماذا يستمعون إليهم؟ هل لديهم مشاكل نفسية، أم واقع يريدون الهروب منه، أم أن هذه الشخصيات تقدم نوعاً من أنواع الفنون تستقطب الجمهور؟
* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية