من بين المواقف التي ذكرها المرحوم توفيق السويدي في مذكراته، وهو وزير ورئيس وزراء سابق في العراق، درس في إسطنبول وباريس وخدم بصفة ضابط مجند في الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى، موقف تعرض له في دمشق، عندما كان يعمل مع الملك فيصل الأول ملك سوريا في حينها، يقول في الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم 20 يوليو 1920 دخل أكثر من سبعة آلاف جندي فرنسي محتل إلى دمشق وأنهوا الحكم العربي لسوريا، وباشروا حملة اعتقالات طالت الوطنيين لنفيهم خارج البلاد، فكان يوماً مشؤوماً آثرت فيه أن أحبس نفسي داخل بيتي، وبعد يومين قررت أن أفرج عن نفسي وأخرج إلى النادي الدولي الواقع ضمن أوتيل خوام، فدخلت إلى النادي وجلست أمام النافورة، وبعد قليل جلس بجانبي ضابط فرنسي، وطلب كأساً من المشروب، وفي الساعة الخامسة تقريباً بدأ حديثه معي بتكبر وتعالٍ وهو يتحدث عن الجيش الشريفي وكيف تمكن الفرنسيون من تدميره والانتصار عليه، فحاولت تجنب الحديث معه والرد عليه، فسكت وتوقف هو عن الحديث معي بعد تجاهلي له، لكن بعد لحظات شعرت بأن سلوكه معي مستفز ويجب علي الرد، فقلت له: لا أدري ما الذي حصل، فقال لي: إذن أنت لم تر الطائرات الفرنسية كيف قصفت البلد والثكنة الحميدية؟! فقلت له: لا لم أر ذلك، فقال لي: هل رأيت قصفاً جوياً من قبل؟ فقلت له: نعم، رأيت قصفاً جوياً واحداً فقط. فقال: أين ذلك؟ فقلت له: في باريس عندما قصف الألمان عاصمتكم بداية الحرب، فسكت وترك كأسه ومشى دون تعليق.
في أحيان كثيرة يكون الرد على الآخرين أفضل وأبلغ من السكوت، لا سيما عندما يكون الرد السلاح الوحيد للدفاع عن النفس وحفظ الكرامة، ومواجهة الهجوم غير المبرر، هذه القصة مجرد مثال على فن الرد وتقنياته، التي أولها الاستماع الجيد للطرف الآخر والتركيز الكامل على سلوكه وحديثه مهما كان الموقف منه، وعدم التفكير في الرد وصياغة عبارته خلال الاستماع، ليأتي بعد ذلك التفكير قبل الرد لتجنب الرد الانفعالي، ثم أخيراً يأتي الرد في سياق الحديث الجاري، وهذا له الدور الحاسم في فن الرد، فهو يوفر على صاحبه الكثير من الكلمات، ويمكن لعبارة بسيطة لا تحمل مفرداتها الإساءة أن تقلب كل الكلام المسيء والمستفز والمزعج الذي صدر من الطرف الآخر عليه.
في الواقع فن الرد الذكي، أكثر من مهارة فهو إستراتيجية من إستراتيجيات العلاقات بين الأفراد، وهو جزء أساسي من التطوير والنمو الشخصي، وهو لا يتعلق بكيفية التعبير بطريقة صحيحة فقط، بل بكيفية التفاعل مع الآخرين، فالاستثمار فيه من قبل الأفراد أمر مهم وضروري لتطوير علاقاتهم مع غيرهم.
* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية
في أحيان كثيرة يكون الرد على الآخرين أفضل وأبلغ من السكوت، لا سيما عندما يكون الرد السلاح الوحيد للدفاع عن النفس وحفظ الكرامة، ومواجهة الهجوم غير المبرر، هذه القصة مجرد مثال على فن الرد وتقنياته، التي أولها الاستماع الجيد للطرف الآخر والتركيز الكامل على سلوكه وحديثه مهما كان الموقف منه، وعدم التفكير في الرد وصياغة عبارته خلال الاستماع، ليأتي بعد ذلك التفكير قبل الرد لتجنب الرد الانفعالي، ثم أخيراً يأتي الرد في سياق الحديث الجاري، وهذا له الدور الحاسم في فن الرد، فهو يوفر على صاحبه الكثير من الكلمات، ويمكن لعبارة بسيطة لا تحمل مفرداتها الإساءة أن تقلب كل الكلام المسيء والمستفز والمزعج الذي صدر من الطرف الآخر عليه.
في الواقع فن الرد الذكي، أكثر من مهارة فهو إستراتيجية من إستراتيجيات العلاقات بين الأفراد، وهو جزء أساسي من التطوير والنمو الشخصي، وهو لا يتعلق بكيفية التعبير بطريقة صحيحة فقط، بل بكيفية التفاعل مع الآخرين، فالاستثمار فيه من قبل الأفراد أمر مهم وضروري لتطوير علاقاتهم مع غيرهم.
* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية