لا شك في أن لكل ثقافة خصوصية، وهذه الخصوصية تمثل الهوية الثقافية لأصحاب الثقافة سواء كانوا أمة أو شعباً، ومع انتشار العولمة انتشرت فكرة عالمية الثقافة أو بعبارة أخرى مفهوم ألا خصوصية في الثقافة على اعتبار أنها نتاج بشري، وكلٌ يعرض ما لديه ويشترك الكل بثقافة واحدة على أساس الرائج في العالم أجمع والذي يمكن أن يكون لكل البشر، لكن مسألة أن يعرض الكل ما لديه، هي مسألة غير متكافئة، لأن الأساس في العرض هو العالم الرقمي المفتوح للجميع والكل يعلم أن المحتوى الأكبر والمهيمن متوفر باللغة الإنجليزية، تليها لغات أخرى، وأفقر محتوى معروض هو المحتوى المدون باللغة العربية، ولا ننكر أن هناك تقصير كبير من أهل اللغة أنفسهم بإثراء العالم الرقمي باللغة العربية، وأياً كان السبب فالحقيقة أن الغلبة ستكون للمحتوى المعروض بلغات أخرى.ومع اجتياح الذكاء الاصطناعي للعالم الرقمي المفتوح تبرز تأثيرات سلبية وأخرى إيجابية على الهوية الثقافية، أما التأثيرات السلبية فتتمثل بتآكل الخصوصية للثقافات ذات المحتوى الفقير، وأعني به المحتوى المنشور، كون المحتوى المنشور باللغة الإنجليزية هو المهيمن بواسطة الإنترنت، والتطورات التكنولوجية ستزيده هيمنة، ومع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي ستتعرض الخصوصية الثقافية للاندثار، وهذا تهديد لا يستهان به، وأما التأثيرات الإيجابية وهي الأهم كونها تمثل الفرصة لإصلاح ما فسد، فتتمثل في جوانب عدة أولها إثراء العالم الرقمي في المحتوى المكتوب باللغة العربية، بل وبترجمة المحتوى العربي إلى اللغة الإنكليزية، فأصبح من السهل جداً تحويل الوثائق التاريخية والتراث الشعبي والفلكلور إلى نسخ رقمية، متاحة للجميع ومحفوظة للأجيال أيضاً، وهذه مهمة المتاحف والمكتبات التي لديها كم هائل من المحتوى الثقافي، كما أن الترجمة الدقيقة التي توفرها أنظمة الذكاء الاصطناعي تعد أكبر داعم لعرض ذلك المحتوى باللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات، أضف إلى ذلك سهولة إصدار التطبيقات التفاعلية التي تستخدم الواقع المعزز والافتراضي وتمكن المستخدمين من استكشاف التراث الثقافي، فمن الميسر الآن بناء المواقع التاريخية وإجراء جولات افتراضية، وكذلك إنتاج برامج ومنصات تعليمية تعزز الوعي الثقافي، زد على ذلك الألعاب والمتاحف الرقمية.كل ذلك متاح الآن أمام الجميع، وهناك مشاريع عالمية ناجحة مثل مشروع جوجل للفنون والثقافة، الذي يعد منصة تمكن المتاحف والمؤسسات والأفراد من رقمنة محتواهم وعرضه للجمهور، وهذه مسؤولية كل من يهتم بثقافته ويعتبرها ثقافة ذات خصوصية، ونحن في الواقع أمام فرصة ممتازة للحفاظ على هويتنا الثقافية وإبرازها للعالم.* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية