كانت الصحف والمجلات في الثمانينيات تنشر مقالات ودراسات مخيفة عن الألفية الجديدة وما سيحدثه التقدم التكنولوجي فيها، وكانت تركز على اندثار كثير من المهن عندما تحل الروبوتات محلها، والمئات من صور الكاريكاتير ظهرت في هذا الجانب، لكن لم أقرأ مقالاً واحدا، وربما لم يخطر ببال أي كاتب ما نشهده من احتراف البعض لمهن -وإن شئت فقل من مصادر للدخل- قائمة على اللاخبرة واللاعلم، فالمتوقع كان عكس ذلك تماماً، بل لم يتوقع أحد أن البطالة ستكون المشروع الذي حول بعض الأشخاص إلى أصحاب ملايين.لقد أصبحت البطالة وعدم الخبرة والابتكار في الكسل مع قليل من الاستثمار في الأزمات رأس مال مشاريع تدر الملايين على أصحابها؛ ففي عصر التقدم التكنولوجي والبطالة التي بعضها بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية في العالم وبعضها بسبب الكسل، استطاع بعض الأشخاص الوصول إلى الثراء السريع، وتمكنوا من ذلك باتباع بعض الخطوات كانت أولاها التسويق لأنفسهم بدون خبرة، فبعد انتشار التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي أصبحت الخبرة أمراً ثانوياً، فيكفي أن تنشئ حساباً على تلك المنصات، وتسوق لنفسك كخبير، وهذه فعلها على سبيل المثال «جوردان بلفورت»، المعروف بـ«ذئب وول ستريت»، عندما سوق لنفسه على أنه خبير في أسواق المال، وتلاعب في سوق الأسهم، وقدم العديد من المحاضرات والدورات التدريبية، رغم أنه بدون أي خبرة حقيقية، وحقق الملايين حتى سجن، والخطوة الثانية يمكنك أن تبتكر في الكسل، وأبسط مثال لها «كيم كارداشيان» التي حققت الملايين دون عمل تقليدي، فقط حولت حياتها الشخصية المتمثلة بالكسل والاسترخاء إلى برنامج ترفيهي على شاشة التلفزيون، والخطوة الثالثة هي الاستثمار في الأزمات، وهذه أمثلتها أغلب مشاهير منصات التواصل الاجتماعي الذي استثمروا في أزمة كورونا بتسجيل مقاطع الفيديو مستغلين تعطل الناس عن أعمالهم، وتوجههم للهواتف النقالة.وفي الواقع في عالم انتشرت فيه التكنولوجيا والمعلومات الكثيرة والزائدة عن الحاجة أصبح الربح من اللاشيء ممكناً جداً، فيكفي أن تكون موجوداً، ولا تخجل من تقديمك للتفاهة واللاشيء، لتصبح من المشاهير وأصحاب الملايين، لكن هل سيستمر الحال على ما هو عليه؟ هل سيكون هذا هو المستقبل؟ هل ستبقى البطالة وظيفة مربحة؟ أم أنها موجة ستتلاشى بعد أن يستقر وضع التقدم التكنولوجي؟ في الحقيقة لا أظن أن هذا الحال سيستمر إنما هذا الواقع الذي يصاحب التغيير، وبعدها سيختلف الوضع تماماً.* عميد كلية القانون - الجامعة الخليجية