سؤال يتردد على الذهن بين الحين والآخر، عندما تتوالى أمامنا التجارب المتميزة التي تتحقق إما بجهود جماعية أو فردية تُبدع شخصياتها في رسم تفاصيلها، ولكننا لا نوفيها حقها في نقل صداها أو إيصال مغزاها.وفي أكثر من مناسبة، تنبّه الكاتبة القديرة سوسن الشاعر لهذا الإشكال المتمثل في الوهن الذي يصيب قوانا الناعمة، وبالتالي يكون نفاذها للعالم مشتتاً عند إيصال حقيقة ما يجري ويتحقق ميدانياً وواقعياً، أضف إلى ذلك، ما تتعرّض له جهودنا «الناعمة» من محاولات تشويه وتشكيك، وعلى طريقة: خالف تذكر!أما آخر ما قالته العزيزة «أم بسام»، حول هذه المسألة، قد جاء في إحدى الندوات المتخصصة في الإمارات -على ما أعتقد- وتحدثت فيها عن ضرورة تحرّر الوسيلة الإعلامية من جمود اللغة ورتابة التفاعل المميت للإبداع، وعن الحاجة لاحتراف لغة الإعلام الجديد، الذي أوجد بيئة تواصلية متبدلة ومتحولة كتبدل عقارب الساعة وتغير مزاج الجماهير، وإن لم تكتسب هذه اللغة مهارة الإقناع بالحجة وتقديم البراهين، فمصيرها الخذلان.والواضح هنا، بأن ثمّة علاقة وطيدة بين الإعلام كوسيلة تأثير وانتشار عابرة للحدود الجغرافية والثقافية للجماهير محل الاهتمام، وبين مسألة تنشيط القوة الناعمة بأدواتها المختلفة، فالإعلام يعتبر إحدى أهم قنواتها، ولكنه ليس الوسيلة الوحيدة التي تُسند إليها مهمة تنفيذ استراتيجياتها «الناعمة»، بمجالاتها المتنوعة، كالثقافة بعناصرها المتشعبة، والرياضة برواجها العالمي، والعمل الخيري بأبعاده الإنسانية، وصولاً للاقتصاد والتعليم والدبلوماسية الدولية للتقدم على قوائم التنافسية.وهذا ينقلنا إلى جانب في غاية الجدية، وهو كيفية تطوير صناعة القوة الناعمة للنفاذ ثقافياً، لخدمة المصالح الحيوية والسياسة العامة للدولة بكل قطاعاتها. ومثال على تلك الصين، التي وجدت في اللغة العربية فرصة ذهبية للتعريف والتقريب بين مجتمعها الثري بتنوعه، وبين الوطن العربي الذي يتمتع كذلك بجذور حضارية وثقافية يجب البناء عليها.ولمن لا يصدق ذلك، فليبحث عن شبكة تلفزيون الصين الدولية وقناتها العربية، وسيهاله ما يتاح عليها من مادة غنية تهم الجانبين، للتقريب بين الشرق الأوسط بالشرق الأبعد، من خلال النموذج الصيني القوي للتعاون الدولي والتقارب الثقافي، بطريقه المفروش بالحرير وبشعاره العريض: العمل من أجل «بناء عالم أكثر عدلاً وعقلانية واتزاناً»، مقدّماً نفسه كبديل أكثر سلمية من استراتيجيات الفوضى الخلاقة، التي لاتزال منطقتنا تتجرّع سمومها!وربما أهم ما تتميز به القوة الناعمة هو قدرتها على إدارة السمعة الخارجية، إلى جانب نفاذها السريع وتأثيرها المباشر على الرأي العام، متى ما أسعفتها، طبعاً، الوسيلة والمادة الإعلامية في عرض الحقائق كما يجب، ومن صور ذلك، انتهاج بعض الدول سياسة تملّك الأندية الرياضية العالمية التي تحظى بتاريخ عريق وقاعدة شعبية واسعة.وتؤكد التجربة العملية، الفائدة المعنوية الكبيرة التي تعود على مالكيها عند نجاحهم في تطوير مسيرتها الرياضية، وأستشهد بالأثر الإيجابي لهذه الوسيلة «الناعمة» على وقع النجاحات المتتالية التي حققتها «شركة مكلارين»، بعد أن أصبحت البحرين مالكاً حصرياً لمجموعتها مؤخراً، والجميل في هذه القصة بأنها تسرد فصول الجهود الوطنية الممتدة بقيادة صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء، صاحب المبادرة الأولى لسباقات الفورمولا في المنطقة العربية، قبل عشرين عاماً، وها هي تحصد ثمارها.وقد يكون السؤال الآخر الواجب طرحه هنا، كيف نوظف المتاح بين أيدينا من أدوات توظيف ذكي ومثالي، عند الحديث عن أنفسنا؟ وتحديداً ما يرتبط بجانب القيم والمبادئ النابعة من الهوية الوطنية.وبحثاً عن الإجابة، لابد من تأمل المشهد المهيب والحوار الحاني بين أب الجميع ملك البلاد المعظم، وابنه البار سمو الشيخ ناصر، وهو يقف، بكل ثقة وتواضع، في حضرة أبيه، أطال الله في عمره، مصغياً لنصحه وإرشاده، وفخوراً بتقديره وتشجيعه، لتصل النصائح الملكية والأبوية، لكل شاب وشابة، ولكل مربٍّ ومربّية، حول أهمية البناء السليم لوعي الشباب ليمارسوا دورهم كقوة إصلاح وإعمار في وجه قوى الهدم والإرهاب.أما الرسالة الأكبر والأهم الصادرة من قلب قصر الصخير العامر: ستظل مجالسنا الوطنية صورة معبّرة لتقاليد أهل البحرين وبنائهم المدني والمتحضر، والميدان المقرب للمسافات بين الحاكم وشعبه.* عضو مؤسس دارة محمد جابر الأنصاري للفكر والثقافة