في 4 ديسمبر 2016 إدغار ماديسون ويلش، من ولاية كارولينا الشمالية، والبالغ عمره 28 سنة، حمل بندقية من طراز AR15 ووصل إلى مطعم Comet Ping Pong وهو مطعم بيتزا عادي في واشنطن، اقتحمه وأطلق رصاصات عدة على جدرانه، محاولاً تفتيشه، والبحث عن قبو سري، لإنقاذ أطفال حبسوا بغرض الاتجار بهم، لكنه سرعان ما أدرك أن المطعم يقدم البيتزا فقط، فاستسلم للشرطة، لكن مسألة الاتجار بالبشر التي يديرها ملاّك المطعم بقيت مسيطرة عليه، وبقي يردد وهو في قبضة الشرطة «هم أخبروني أن المطعم واجهة للاتجار بالأطفال».والواقع أنه خلال السباق الانتخابي في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2016 بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، ومع احتدام المنافسة انتشرت على ساحة إعلام التواصل الاجتماعي أخبار عن نظرية مؤامرة عرفت فيما بعد بـ«بيتزا غيت» خلاصتها أن هيلاري كلينتون وعدد من شخصيات حزبها يديرون شبكة سرية لتجارة الأطفال، والمطعم المذكور ما هو إلا مقر لهذه الشبكة، الأمر لم يكن له أي أساس من الصحة ولم يقم عليه أي دليل، لكن بفضل خوارزميات تطبيقات التواصل الاجتماعي وسلوك مستخدميها الذين تعودوا على نشر وإعادة نشر أي شيء، أصبح كالنار في الهشيم، فتحولت الشائعة إلى حدث خطير.انتشار الأخبار الزائفة وترويج الإشاعات أمر قديم جديد، فالبشر تعودوا على نقل الأخبار، لكن بعد انتشار تطبيقات وسائط التواصل الاجتماعي، أخذت الشائعات منحى جديداً، فأصبحت سرعة انتشارها ونقلها عالية جداً، كما أن التطبيقات أصبحت مصدراً عند كثير من الناس، لاسيما أولئك الذين كانوا يعتمدون على الراديو والتلفزيون قبل عصر الإنترنت كمصدر للمعلومات، وأبدلوها الآن بوسائط التواصل الاجتماعي، زد على ذلك طريقة عرض الإشاعات المشوقة التي تبدأ بعبارات مثل «مصادر مطلعة» أو «وفقاً لما أكده شخص قريب من الموضوع»، فهي عبارات مشوقة للمتلقي لكنها في الواقع أدعى للتعامل معها على أساس عدم الموثوقية، الطريف والمحزن في الوقت ذاته طريقة تعامل الناس مع الأخبار الزائفة، ففي واقعة «بيتزا غيت»، لم يكن إدغار ماديسون ويلش الشخص الوحيد الذي صدق الخبر، بل كان هناك آلاف الأشخاص الذين شاركوا الأخبارالأخبار، أن هناك مؤامرة حقيقية، حتى بعد نفي الخبر واعتقال ويلش، ظل البعض متمسكاً بتصديق القصة، بل وبدؤوا بنسج تفسيرات جديدة مثل أن السلطات تخفي الحقائق أو أن النفي نفسه هو جزء من المؤامرة.الأخبار الزائفة ليست فقط قصصاً طريفة أو غريبة، فأثرها خطير على المجتمع، ويمكن أن تؤدي إلى أحداث سيئة، وتنشر الكراهية والخوف والتعصب في المجتمع، إنها في الحقيقة لعبة الوهم الجماعي.* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية