لست هنا بمعرض اللطم على قدر الأمة العربية المليء بالمحن والنكبات، وأقساها على الإطلاق الاحتلال الإسرائيلي للوطن الفلسطيني كواقع فُرض على الأمة بالقوة، وبمبررات لا يتقبلها العقل العربي إلى يومنا هذا، إلا أنه ومن باب سد الذرائع المؤدية لهلاك الإنسان والعمران، بادر العرب بتقبل الأمر الواقع، والخروج بما نعرفه اليوم باسم «حل الدولتين»، وهو حل مؤجل، يعاني كغيره من الفوضى «غير الخلاقة» التي لا نعرف متى ستنتهي أهوالها، ولكننا سنعوّل على الخطوة السعودية الأخيرة لحشد الجهود الدولية نحو «واقع الدولتين»، ونرجو أن تتلاقى جهودها مع دعوة عاهل البحرين المعظم لعقد مؤتمر دولي طارئ يناقش مستقبل السلام في المنطقة.وعلى أهمية هذه المبادرات لكسر دوامة الصراع الشرق أوسطي، نرى بأن التشدد الإسرائيلي سيبقى حبل مشنقة لأي حل، وعلى طريقة «بيبي» نتنياهو وعصبته اليمينية المتطرفة في سحب استقرار المنطقة سحباً إلى أوكار إبليس، الذي أتصوره مندهشاً من منافسيه في تفوقهم على شروره!ولمن يعتقد بأن سبب معاناة المنطقة هو اليمين الإسرائيلي، فالتاريخ يقول بأن هذا هو ديدن الدولة الصهيونية، وخرائط «بيبي» التي يسحبها من أدراج مخططات التمدد، تؤكد، على عودة صاحب العادة القديمة لمعاكسة كل ما له علاقة بالوجود الفلسطيني، كمكون مساوٍ له في الأهمية، ولا خيار أمامه إلا بالتعايش معه، ومع محيطه العربي.فمشكلة إسرائيل الأساسية إلى جانب رفضها التام للاعتراف بدولة قائمة بجوارها، هو صراعها التاريخي لتكون جزءاً من خريطة لا تربطها بها أية عوامل مشتركة، رغم كل معاهدات السلام التي أبرمتها مع بعض الدول العربية بحثاً عن أرضية «واحدة» تتكئ عليها، وعلى إسرائيل، اليوم، أن تفكر جدياً في شكل مستقبلها، وإلى أي مصير ستؤول مع تردي علاقاتها مع كل من حولها!وبحسب ما تشير له التركيبة النفسية وسطوة الأوهام والخرافات العقائدية، إلى جانب تاريخ دموي طويل يسوده الكره والتمييز ضد الآخر العربي، يصعب على القرار الإسرائيلي أن يصل لهذه الدرجة من العقلانية للنظر في اعتبارات استقرارها هي قبل غيرها، والدليل على ذلك، ما يجري في الميدان من حروب وحشية سابقة، وحالية لم يسلم منها حتى الداخل الإسرائيلي، الذي يمر، بدوره، بأسوأ حالاته على الإطلاق، فلا أمن يسود ولا تنمية قادرة أن تستقر.وعلى ضوء ما نعاصره اليوم من وضع مخزٍ على الصعيد الإنساني، وما نشهده من انهيار لبنيان النظام العالمي الذي لم يستطع، ولو لمرة واحدة أن يقول لإسرائيل STOP IT! ليحافظ على سمعة نظامه، فعلى الجانب العربي أن يستمر في مقاومة سياسات إسرائيل البغيضة بانتزاع أهل فلسطين من أراضيهم، وهذا طبعاً سيبقى مرتهناً بالإرادة الفلسطينية في الالتفاف حول قضيتها الوجودية، كشرط أساسي لقيام دولتها المعترف بها عالمياً، والقادرة على الحكم وطنياً.سيقول البعض، ما هذه النظرة المنقوصة التي تُحمّل طرفاً دون غيره مسؤولية كل ما يحدث، نعم صحيح، ولكن ما بُني على باطل يبقى باطلاً! بمعنى من سمح لـ«الوكلاء» من الدخول على خط التدخل بين الطرفين، الفلسطيني – الإسرائيلي، من جهة، وبين القضية الفلسطينية ومحيطها العربي الحريص على مساندتها ونصرتها، من جهة أخرى؟ ومن نصّب الميليشيات والأحزاب الخارجة على دولها، في مكانة لا تستحقها من الشرعية؟ لتجثم على أنفاسنا كالبعبع المرعب الذي يشلّ المنطقة من التقدم للأمام، لأن ليس لديه ما يخسره.وأضع ألف خط تحت، «من ليس لديه ما يخسره»، مع اتباع إسرائيل لسياسة الاغتيالات التي لا تحل مشكلاً، ولا تغير مشهداً، فاليوم يذهب زيد، وغداً يأتي عبيد، وهكذا دواليك!الحل اليوم، وكما تقره معطيات الواقع المرير، وليس لأنني أدعي فهم مشهد سياسي معقد يفوق تصور الإنسان العربي البسيط الذي يريد أن يرى فلسطين دولة قائمة أمام عينيه، وأن يطمئن على سلامة وحرمة «بيت المقدس»، كجزء من عقيدته وإيمانه، الحل في يد إسرائيل، أولاً، لقطع الطريق على جميع المزايدين ومعهم الوسطاء المراوغون، بشرط أن تعي حقيقة أن رفع الأسوار والجدران سيزيدها عزلة، وأن طرد الفلسطينيين من أراضيهم ليس بوعد توراتي، وأن جوارها الذي عرفته متشدداً في مواقفه بدأ يفكر في مد اليد بشروط تحفظ كامل الحقوق الفلسطينية .. هذا إذا أرادت أن تقلب صفحة التاريخ البشعة لغير رجعة! وتخفف بعضاً من اندهاش إبليس!*عضو مؤسس دارة محمد جابر الأنصاري للفكر والثقافة