الرأي

الوطن للجميع.. أدوار مطلوبة في مسيرة الإصلاح

حب الوطن ليس مجرد شعور داخلي أو كلمات نرددها في الأعياد الوطنية. إنه التزام يومي وعمل مستمر يُبنى على الصدق والواقعية. من يحب وطنه حقاً هو من يراه بعين فاحصة، يرى إنجازاته ويعترف بتحدياته، لكنه لا يغمض عينيه عن الأخطاء، بل يعمل على تصحيحها، سواء بالكلمة أو الفعل. الشخص الذي يتغاضى عن الأخطاء، ويدّعي أن السلبية تهدم ولا تبني، لا يخدم وطنه، بل يعطل تقدمه ويضيع فرص الإصلاح.

.

وفي مجتمعاتنا، نلاحظ وجود فئتين عندما يتعلق الأمر بالنقد والمساءلة. الفئة الأولى تسعى إلى إبراز العيوب والأخطاء دون تقديم أي حلول. وهذه الفئة تنتقد كل قرار وكل خطوة، محاولين المسؤولين أنهم غير أكفاء، وأن البلاد في حالة تراجع مستمر. إن هؤلاء لا يسعون إلى الإصلاح بقدر ما يسعون إلى التأكيد على أن الوضع القائم غير قابل للتحسن. وهذا النوع من النقد لا يخدم الوطن، بل يخلق حالة من التشاؤم والإحباط في المجتمع، ويضعف الروح الإيجابية التي نحتاجها للمضي قدماً.

.

أما الفئة الثانية، فهي تنتقد بدافع الحب للوطن والرغبة الصادقة في تحسين الأوضاع. وهؤلاء لا يخشون الاعتراف بالأخطاء، لكنهم يعملون على تقديم النقد البناء الذي يساعد على تجنب تلك الأخطاء في المستقبل. والنقد هنا ليس أداة للهدم، بل وسيلة للإصلاح والتطوير. إن هذه الفئة تدرك أن حب الوطن يتطلب الشجاعة في مواجهة التحديات، والالتزام بتقديم الحلول، وليس الاكتفاء باللوم والإشارة إلى السلبيات.

.

الوطن بحاجة إلى أصوات نقدية بناءة تقدم البدائل والحلول، وليس إلى تلك التي تكتفي بالانتقاد والهدم. فالفارق بين النقد البناء والنقد الهدام هو أن الأول يفتح الباب للحوار والتعاون، بينما الثاني يغلق الأبواب، ويزرع الفتنة بين المسؤولين والمواطنين. والتحدي ليس في الإشارة إلى الأخطاء فقط، بل في السعي لتقديم حلول تعمل على تصحيحها وتطوير الوطن.

.

وفي هذا السياق، نستطيع أن نتعلم الكثير من حكمة جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه، فجلالته يضع أمامنا نموذجاً للقيادة الحكيمة التي تستمع إلى الجميع. والاستماع هنا ليس مجرد استجابة للآراء المختلفة، بل هو تعبير عن التواضع وحب الوطن. فمن خلال الاستماع للآراء، حتى تلك التي تنتقد، يتمكن المسؤولون من التعرف على جوانب الضعف والعمل على تحسينها. بالإضافة إلى ذلك، يعلمنا جلالة الملك أهمية الكلمة الطيبة. وهي ليست مجرد تعبير عن احترام الآخرين، بل خطوة أولى نحو التعاون المثمر، حيث تسهم في تعزيز الروح الوطنية وتقوية أواصر المجتمع.

.

إن المسؤولين بحاجة إلى الاستماع للشعب، ليس فقط لما يُقال من المدح، بل أيضاً لما يطرحه النقد الصادق من ملاحظات. فالنقد البناء الذي يقدم حلولاً، ويهدف إلى تطوير الوطن يجب أن يكون محل تقدير. وفي المقابل، على المواطنين أن يقدموا نقدهم بروح منفتحة، تدفع نحو الحلول، ولا تكتفي بإبراز العيوب. إن الكلمة الطيبة والعمل الجاد هما مفتاح بناء وطن قوي ومستقر، وطن يحقق الأمان والرخاء لجميع أبنائه.

.

علينا جميعاً أن نتعلم من حكمة جلالة الملك، فالمسؤولون بحاجة إلى أن يستمعوا لكافة الآراء بعمق، ويردوا بكلمات طيبة تعكس احترامهم لكل نقد بناء وملاحظات تخدم الوطن. والمواطنون يجب أن يقدموا انتقاداتهم وملاحظاتهم بروح منفتحة وإيجابية، مع التركيز على الحلول التي تدفع بالوطن نحو الأفضل.

.

ومن خلال العمل المشترك والاستماع المتبادل، سنحقق وطناً يعمّه الأمن والرخاء، ونعتز به جميعاً، ونفخر بمساهمتنا في بنائه.