«لو كان الشرف مربحاً، لصار الجميع شرفاء»، عبارة قالها الفيلسوف الإنجليزي توماس مور، وهو يتحدث عن الشرف وما يتعلق به من معانٍ، وكأنه يتحدث عن بضاعة عتيقة أو مفهوم متهالك، ولا أدري ما هي الظروف التي دعته لإطلاق هذا القول وما الذي شاهده قبل قرون، لينعى الشرف هكذا، هل وجد الناس في زمانه رموا القيم وراء ظهورهم، وركضوا خلف كل ما يتحول إلى أوراق نقدية.بالتأكيد عبارة مور هذه ليست من مقولات الفلاسفة ذوي النظرة السوداوية، فهو يتحدث عن واقع، فبعده بقرون التقى كاتب مغرور بالكاتب الأيرلندي برنارد شو الذي عرف بسخريته، في حفل وقال له: أنا أكتب بحثاً عن الشرف، وأنت تكتب بحثاً عن المال! فرد عليه برنارد شو: صدقت، كل يبحث عما ينقصه! أي أن برنارد شو لديه من الشرف ما يكفيه ويسدّ حاجته، وهو يبحث الآن عن المال الذي ينقصه، بينما الأول مازال في بداياته، بعبارة أخرى الشرف يأتي منفرداً والمال لا يرافقه، والمال كذلك لا يأتي مع الشرف، ومع أن هذا مفهوم لا يمكن إطلاقه على علاته هكذا، لكن في واقع اليوم نجد على الأغلب من يبحث عن المال ويجعله هدفاً لابد من تحقيقه بأسرع ما يمكن فإنه يضع الشرف خلف ظهره، لكنه يستعير بعض مصطلحاته مثل «النزاهة» و«الشفافية» ويروج لها ويتحدث عنها بحماس وكأنه يروج لبضاعة يريد بيعها على الآخرين، ومع ذلك تبدو كمنتج قديم و«أنتيك» يراد بيعه، ففي واقعنا المعاصر، أصبح الشرف كرداء أنيق لكنه ثقيل، يرتديه بعضهم أمام الآخرين، ويخلعه في أول زقاق مظلم.لكن ماذا لو تحول الشرف إلى عملة، كالعملات النقدية أو المشفرة؟! عندها لن تجد فقط الأشخاص الذين يعرضون أرصدتهم من هذه العملة، بل ستجد بنوكاً تحمل أسماء «بنك الشرف الدولي» و«بنك قروض الشرف» وغيرها من على هذه الشاكلة، حقيقة الأمر ما أشار إليه برنارد شو «كلٌ يبحث عما ينقصه» وعندما تعج الحياة بمطاردات المال ويتسابق الكل على تحصيله بأي شكل من الأشكال باعتباره نقصاً يجب إكماله، وربحا يجب تحصيله، وغاية يجب الوصول إليها، يصبح الشرف والقيم وسيلة من الوسائل الثانوية، هذا إذا كان الموقف يحتاج إليه.في النهاية لو كان الشرف مربحاً لصار الجميع شرفاء، لكن ما يبقى ثابتاً هو قيم الشرف والنزاهة التي لا يمكن أن تباع أو تشترى، بل هي اختيارات شخصية لا تخضع لحسابات الربح والخسارة.
الرأي
سوق الشرف
24 أكتوبر 2024