قبل يومين، وفي نهاية الأسبوع الماضي، وجدت نفسي أكسر روتيني اليومي المعتاد. بدلاً من التوجّه صباحاً إلى مكتبي لمراجعة بريدي الإلكتروني وترتيب مهامي، اتجهت يوم الخميس إلى قاعة فعالية حملت عنوان "التوجهات العالمية لنمو الحكومة الإلكترونية والمبادرات". الحدث جاء بتنظيم مشترك بين هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية وإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة (UN DESA). شعرت بأنني أدخل عالماً مختلفاً، أقرب إلى ورشة تفكير استشرافية منها إلى مجرّد لقاء رسمي.
حرصت على الوصول مبكراً حتى أختار زاوية هادئة في القاعة، أراقب من خلالها الحضور وهم يتوافدون تدريجياً. شيئاً فشيئاً، امتلأت القاعة بالحاضرين، وبدا المشهد وكأننا أمام صورة حيّة للنمو الرقمي، مزيد من الكراسي ومزيد من الوجوه المهتمة وحماس تكنولوجي لا يخفى. بدأت الفعالية بعرض قدّمه السيد محمد علي القائد، الرئيس التنفيذي لهيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية. حديثه عن بدايات الهيئة والتواريخ المفصلية في مسيرة التحوّل الرقمي في البحرين أيقظ في ذهني صوراً متباينة: كيف كنا قبل سنوات وكيف أصبحنا الآن. نحن نعيش نقلة نوعية لا شك فيها، وكلما استحضرت الماضي ازددت يقيناً بمدى التقدّم الذي حققناه.
ما لفت انتباهي في هذه الورشة كان تنوّع الحضور، من خبراء أمميين ومسؤولين حكوميين وممثلين عن دول شقيقة وصديقة. هذا التنوع أضفى على الفعالية بُعداً دولياً وجعلها مساحة لتبادل الخبرات واستكشاف تجارب متنوّعة. ما زاد من ثرائها وجود السيد فينتشنزو أكوارو، مدير دائرة الحكومة الرقمية بالأمم المتحدة، الذي جلب معه رؤية عالمية شاملة. هذا المزيج من الخبرات الدولية والمحلية يفتح أمام البحرين أبواباً جديدة للاستفادة، ليس فقط محلياً بل لتكون مصدر إلهام ونقل معرفة لدول أخرى.
وما زاد اللقاء حماسة تلك الجلسة الحوارية التي أدارها الدكتور عادل الحمد ببراعة، حيث التقى القائد وأكوارو في حوار تفاعلي كشف كثيراً من الرؤى. هناك استوقفتني جملة أثارت حماسي حين قال أحد المتحاورين: "علينا أن نقود التكنولوجيا، وإن لم نفعل فسوف تقودنا هي". هذه العبارة ليست مجرّد شعار، بل دليل استراتيجي يحثّ المسؤولين والخبراء - بل وحتى نحن الأفراد - على التمتّع برؤية استباقية، وإعداد البنية التحتية، وتأهيل القدرات البشرية لمواجهة تحديات المستقبل. يأتي هذا خصوصاً مع الطفرات السريعة للذكاء الاصطناعي والتقنيات المتجددة، التي قد تغيّر شكل العالم في غضون سنوات قليلة.
قد يتساءل القارئ: كيف ينعكس هذا كلّه عليه؟ ببساطة، عندما تصبح معاملاتك الحكومية متاحة عبر هاتفك، وعندما تتمكّن من الوصول لخدمات الحكومية بمجرد نقرة، فأنت تستفيد مباشرة. أما في المستقبل، فقد تتجاوز الأمور ذلك؛ ذكاء اصطناعي يساعدك على اتخاذ قرارات يومية، وخدمات تتوقّع احتياجاتك قبل أن تطلبها، وشبكات معلوماتية تجعل حياتنا أبسط وأذكى.
هذه الورشة ليست نهاية المطاف، بل محطة على طريق طويل نحو مستقبل رقمي أكثر إشراقاً. إنها لحظة تفكير وتخطيط تدفعنا للتساؤل: ما هي الخطوة القادمة؟ وكيف نشارك جميعاً - مسؤولون ومواطنون وخبراء تقنيون - في تشكيل هذا المستقبل؟ سأعود في مقالات قادمة لمناقشة مزيد من التفاصيل ومشاركة حكايات أخرى من عالم التقنية المتسارع. وحتى ذلك الحين، فلنتأمل قليلاً فيما رأيناه ونستمع لصدى تلك العبارة التي لن أنساها: علينا أن نقود التكنولوجيا.
* خبير تقني