حبر أبيض
العلاقات بين دول الخليج ليست مجرد تقارب جغرافي أو مصالح سياسية، بل هي في الأساس روابط أخوية متجذرة في النسب، اللغة، الدين، والتاريخ المشترك. هذه الروابط تتجلى في مواقف إنسانية عفوية تسبق المحافل الكبرى، وآخرها ما شهدناه خلال كأس الخليج في الكويت، والتي تكررت فيها على لسان العماني والسعودي والإماراتي والقطري والبحريني والكويتي (أنا الخليجي)، روح أخوية جياشة كانت حاضرة وبكل صدق.
ففي مباراة بين البحرين والكويت، لفت الأنظار مشهد الجمهور البحريني وهو يقف احتراماً للنشيد الوطني الكويتي ويردده بحماسة. هذا الموقف، الذي وثقته إحدى الحسابات الكويتية على مواقع التواصل، أثار إعجاب الإخوة في الكويت، لكنه بالنسبة لنا في مملكة البحرين يعكس روحاً خليجية أصيلة.
هذا المشهد أعادني إلى ذكريات عام 1991، خلال الغزو العراقي الغاشم للكويت، عندما كانت البحرين، قيادة وشعباً، تقدم كل ما تستطيع لدعم أشقائنا الكويتيين. أتذكر تلك الفترة جيداً، حيث كانت مدينة حمد إحدى المناطق التي استقبلت عدداً كبيراً من العائلات الكويتية، ووفرت لهم الدولة كل سبل الراحة والكرامة.
لا يمكن الحديث عن تلك الفترة دون الإشادة بالدور الكبير الذي لعبته وزارة التربية والتعليم في تعزيز قيم الأخوة والتضامن. من خلال المدارس، التي رسخت هذه القيم في نفوسنا كطلاب. كنا في الطابور الصباحي نردد النشيد الوطني الكويتي بجانب النشيد البحريني، في مشهد يومي يعكس وحدة المصير. كما كانت الأنشطة الطلابية والمناقشات موجهة لتعزيز روح التعاون والتكاتف الخليجي. المعلمون كانوا يشجعوننا على التعبير عن تضامننا مع أشقائنا الكويتيين، ويحدثوننا عن أهمية الوقوف معهم في أوقات المحن.
على المستوى الرسمي، لم تدخر البحرين جهداً في دعم الأشقاء الكويتيين. الدولة وقتها، بقيادة صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، طيب الله ثراه، قدمت كل التسهيلات الممكنة. حيث تم فتح المدارس والمستشفيات أمام العائلات الكويتية، وتوفير السكن المناسب لهم، وتقديم الدعم اللوجستي المستمر لتلبية احتياجاتهم اليومية. لم يكن هذا الدعم مجرد واجب سياسي، بل كان تعبيراً عن القيم الخليجية الأصيلة التي ترى في كل خليجي أخاً وشريكاً في المصير. المؤسسات الحكومية عملت بتنسيق كامل لضمان راحة الأشقاء، والمواطنون البحرينيون أنفسهم كانوا يسارعون لتقديم أي خدمة يمكنهم فعلها.
هذه الروابط الأخوية ليست حصراً على البحرين والكويت، بل تمتد لتشمل جميع دول الخليج. فكل هذه الدول، رغم تنوعها، تتشارك نفس الروح الأخوية والمصير المشترك، مما يجعلها تظل دائماً متحدة في مواجهة التحديات. هذه الروح الخليجية هي التي تساهم في تعزيز التعاون بيننا على جميع الأصعدة، وتبقى أساساً لاستمرار نجاحنا المشترك في المستقبل.